ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة! يقول : ألم يخبر قائل هذا القول ، وضامن هذا الضمان ، بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب : أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) أي : وأنه لا يجازى عامل إلا بعمله ، خيرا : كان أو شرّا. انتهى.
وظاهر السياق يشعر بنزول الآيات ردّا على ما كانوا يتخرصونه ويتمنونه ، ويتحكمون فيه على الغيب لجاجا وجهلا. ومع ذلك فمفهومها الشموليّ جليّ.
الثاني : قال السيوطيّ في (الإكليل) : استدل به على عدم دخول النيابة في العبادات عن الحيّ والميت. واستدل به الشافعيّ على أن ثواب القراءة لا يلحق الأموات. انتهى.
وقال ابن كثير : ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعيّ رحمهالله ومن تبعه ؛ أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما.
وأما الحديث الذي رواه مسلم (١) في صحيحه عن أبي هريرة قال «قال رسول الله إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به» ـ فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكدّه وعمله ، كما جاء في الحديث (٢) «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه. والصدقة الجارية ـ كالوقف ونحوه ـ هي من آثار عمله ووقفه» ، وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) [يس : ١٢]. والعلم الذي نشره في الناس ، فاقتدى به الناس بعده ، هو أيضا من سعيه وعمله.
وثبت في الصحيح (٣) : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعهم ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا. انتهى.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الوصية ، حديث رقم ١٤.
(٢) أخرجه النسائي في : البيوع ، ١ ـ باب الحث على الكسب ، عن عائشة.
(٣) أخرجه مسلم في : العلم ، حديث رقم ١٦.