وجدت بردها بين ثدييّ (أو قال نحري) فعلمت ما في السموات وما في الأرض. ثم قال : يا محمد! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت : نعم! يختصمون في الكفارات والدرجات. قال : وما الكفارات؟ قال : قلت : المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإبلاغ الوضوء في المكاره! من فعل ذلك عاش بخير ، ومات بخير. وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. وقال : قل يا محمد إذا صليت : اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنة ، أن تقبضني إليك غير مفتون.
قال : «والدرجات بذل الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام».
ثم قال ابن كثير : وقوله تعالى : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ، كقوله : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) [طه : ٢٣] ، أي الدالة على قدرتنا وعظمتنا ، وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة ، أن الرؤية تلك الليلة لم تقع. لأنه قال : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ، ولقال ذلك للناس. انتهى.
الثالث ـ ذهب بعضهم إلى أن هذه السورة أنزلت لإثبات المعراج النبويّ ، أعني : عروجه صلىاللهعليهوسلم ، وصعوده وارتقاءه إلى ما فوق السموات السبع ، كما ذكر في أحاديث المعراج عن سدرة المنتهى فوق السماوات ، ومشاهدة جبريل على صورته.
قال القليوبيّ : لما كان الإسراء مقدما في الوجود على المعراج ، لأنه كالوسيلة والبرهان ، إذ يلزم من التصديق بخوارق العادة فيه ، التصديق بالمعراج وما فيه. وكان ما في المعراج من الخوارق أعظم وأكثر ، صدره تعالى بالقسم الدال على تأكيد ثبوته ، والرد على منكريه والطاعنين فيه ، واستطرد مع ذلك الرد على من نسب إليه صلىاللهعليهوسلم ما لا يجوز عليه ، فقال (وَالنَّجْمِ ...) إلخ انتهى.
ومما قدمنا يظهر أن نزول السورة لتأييد الرسالة النبوية ، وتحقيق الوحي ، بأنه تعليم ملك كريم ، مرئيّ للحضرة النبوية رؤية تدفع كل لبس ، لا لإثبات المعراج.
ثم من الغرائب أيضا هنا ، قول بعضهم محاولا سرّ إفراد الإسراء عن المعراج ، وذكر كلّ في سورة ، ما مثاله : إن الإسراء أنزل أولا وحده ، حملا للمشركين على تسليم ما وضح صدقه صلىاللهعليهوسلم فيه ، توصلا للتصديق بما وراءه فإنه صلىاللهعليهوسلم أرشد أن يخبر المشركين أولا بالإسراء إلى المسجد الأقصى ، لأن قريشا تعرفه ، فيسألونه عنه ، فيخبرهم بما يعرفون ، مع علمهم بأنه صلىاللهعليهوسلم لم يدخل بيت المقدس قط ، فتقوم الحجة