(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) أي عبر وعظات لأهل اليقين ، وهم الذين يقودهم النظر إلى ما تطمئن به النفس ، وينثلج له الصدر ، فيرون فيها مما ذرأ من صنوف النبات والحيوانات ، والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار ، عبرا وآيات عظاما ، وشواهد ناطقة بقدرة الصانع ووحدانيته ، جل جلاله.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١)
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ ، أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال ، واختلاف ألسنتها وألوانها ، وما جبلت عليه من القوى والإرادات ، وما بينها من التفاوت في العقول والأفهام ، وما في تراكيب أعضائها من الحكم في وضع كل عضو منها ، في المحل المفتقر إليه ، إلى غير ذلك مما لا يحصيه قلم كاتب ، ولا لسان بليغ.
أنشد الحافظ ابن أبي الدنيا في كتابه (التفكير والاعتبار) لشيخه أبي جعفر القرشيّ :
وإذا نظرت تريد معتبرا |
|
فانظر إليك ، ففيك معتبر |
أنت الذي تمسي وتصبح في ال |
|
دّنيا وكلّ أموره عبر |
أنت المصرّف كان في صغر |
|
ثم استقلّ بشخصك الكبر |
أنت الذي تنعاه خلقته |
|
ينعاه منه الشّعر والبشر |
أنت الذي تعطى وتسلب ، لا |
|
ينجيه من أن يسلب الحذر |
أنت الذي لا شيء منه له |
|
وأحقّ منه بما له القدر |
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) (٢٢)
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) يعني ب (السماء) المزن ، وب (الرزق) المطر ، فإنه سبب الأقوات. والمراد ب (ما تُوعَدُونَ) العذاب السماويّ ، لأن مؤاخذات المكذبين الأولين كانت من جهتها. والخطاب لمشركي مكة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣)
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي الذي خلقهما للاستدلال بهما على حقيقة ما أخبر