بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٣)
(الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم ، وأظهروا القول بالإيمان ، أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين ، بل يمحنهم الله بضروب المحن ، حتى يبلو صبرهم وثبات أقدامهم وصحة عقائدهم. لتمييز المخلص من غير المخلص. كما قال (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً ، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦] ، وكقوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] ، وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) [البقرة : ٢١٤] ، وكل هذه الآيات وأمثالها مما نزل بمكة في تثبيت قلوب المؤمنين ، وتصبيرهم على ما كان ينالهم. من أذى المشركين (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من أتباع الأنبياء عليهمالسلام ، بضروب من الفتن من أعدائهم ، كما دوّن التاريخ اضطهادهم. أي فصبروا وما وهنوا لما أصابهم حتى علت كلمة الله (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي في قولهم (آمَنَّا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) أي فيه : وذلك بالامتحان.
فإن قيل : يتوهم من صيغة الفعل أن علمه حدث ، مع أنه قديم. إذ علمه بالشيء قبل وجوده وبعده ، لا يتغير. يجاب بأن الحادث هو تعلق علمه بالمعلوم بعد حدوثه.