بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٣)
(طس ، تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) الإشارة إلى نفس السورة. والقرآن عبارة عن الكل أو عن الجميع المنزل. أي تلك السورة آيات القرآن الذي عرف بعلوّ الشأن. وآيات كتاب عظيم المقدار ، مبين لما تضمنه من الحكم والأحكام والمواعظ والاعتبار. (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي هو هدى من الضلالة ، وبشرى برحمة الله ورضوانه ، لمن آمن وعمل صالحا من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأيقن بالآخرة ، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها.
لطيفة :
تكرير الضمير لإفادة الحصر والاختصاص على ما في (الكشاف).
ولصاحب (الانتصاف) وجه آخر قال : لما كان أصل الكلام (وهم يوقنون بالآخرة) ثم قدم المجرور على عامله ، عناية به ، فوقع فاصلا بين المبتدأ والخبر ، فأريد أن يلي المبتدأ خبره ، وقد حال المجرور بينهما ، فطرّى ذكره ليليه الخبر ، ولم يفت مقصود العناية بالمجرور حيث بقي على حاله مقدما : ولا يستنكر أن تعاد الكلمة مفصولة له وحدها ، بعد ما يوجب التطرية. فأقرب منها أن الشاعر قال :
سل ذو وعجّل ذا وألحقنا بذا |
|
الشّحم ، إنّا قد مللناه بخلّ |
والأصل (وألحقنا بذا الشحم) فوقع منتصف الرجز أو منتهاه (على القول بأن مشطور الرجز بيت كامل) عند اللام. وبنى الشاعر على أنه لا بد ، عند المنتصف أو المنتهى ، من وقيفة ما. فقدر بتلك الوقفة بعدا بين المعرّف وآلة التعريف. فطرّاها ثانية. فهذه التطرية لم تتوقف على أن يحول بين الأول وبين المكرّر ولا كلمة واحدة ، سوى تقديره وقفة لطيفة لا غير.