سبيل الانتصار ممن يهجوهم ، جزاء وفاقا. قال الله : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : ١٤٨] ، وقال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] ، قال ابن كثير : وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لحسان (١) : «اهجهم ، أو قال هاجهم ، وجبريل معك» ويروي الإمام أحمد (٢) عن كعب بن مالك أنه قال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إن الله عزوجل قد أنزل في الشعر ما قد علمت ، وكيف ترى فيه؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه. والذي نفسي بيده! لكأن ما ترمونهم به نضح النبل».
تنبيهات :
الأول ـ قال في (الإكليل) : في قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) الآية ، ذم الشعر ، والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه ، وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم ، انتصارا. انتهى.
وحكى الزمخشريّ عن عمرو بن عبيد ، أن رجلا من العلوية قال له : إن صدري ليجيش بالشعر. فقال : فما يمنعك منه فيما لا بأس به؟ والقول فيه : أن الشعر باب من الكلام ، محسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام.
الثاني ـ ذكر ابن إسحاق أنه لما نزلت (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبكون. قالوا : قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء. فتلا النبيّ صلىاللهعليهوسلم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : أنتم
. قال ابن كثير : لكن هذه السورة مكية ، فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات في شعراء الأنصار؟ وفي ذلك نظر. ولم يرو فيه إلا مرسلات لا يعتمد عليها. والله أعلم. ولكن الاستثناء دخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم ، حتى يدخل فيه من كان متلبسا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله ، ثم تاب وأناب ورجع وأقلع ، وعمل صالحا ، وذكر الله كثيرا ، في مقابلة ما تقدم من الكلام السيّئ. فإن الحسنات يذهبن السيئات. وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه. كما قال : عبد الله بن الزبعرى ، لما أسلم :
__________________
(١) أخرجه البخاري في : بدء الخلق ، ٦ ـ باب ذكر الملائكة ، حديث رقم ١٥١٧ ، عن البراء.
وأخرجه مسلم في : فضائل الصحابة ، حديث رقم ١٥٣.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣ / ٤٥٦.