أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ...) [الزمر : ٢١] الآية. وفي الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ...) [الحديد : ٢٠] الآية. ثم بين تعالى شأن ما كانوا يفتخرون من محسنات الدنيا ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (٤٦)
(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) وذلك لإعانتهما فيها ، ووجود الشرف بهما. ثم أشار إلى أنهما ليسا من أسباب الشرف الأخرويّ ، إذ لا يحتاج فيها إليهما ، بقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) أي والأعمال التي تبقى ثمراتها الأخروية ، من الاعتقادات والأخلاق والعبادات الكاملات ، خير عند ربك من المال والبنين ، في الجزاء والفائدة وخير مما يتعلق بهما من الأمل. فإن ما ينال بهما من الآمال الدنيوية ، أمرها إلى الزوال. وما ينال بالباقيات الصالحات من منازل القرب الربانيّ والنعيم الأبديّ ، لا يزول ولا يحول.
لطائف :
١ ـ تقديم (المال) على (البنين) لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد. ولكون الحاجة إليه أمسّ. ولأنه زينة بدونهم ، من غير عكس.
٢ ـ إفراد (الزينة) مع أنها مسندة إلى الاثنين ، لما أنها مصدر في الأصل. أطلق على المفعول مبالغة. كأنها نفس الزينة. وإضافتها إلى الحياة اختصاصية ، لأن زينتها مختصة بها.
٣ ـ إخراج بقاء الأعمال وصلاحها ، مخرج الصفات المفروغ عنها ، مع أن حقهما أن يكونا مقصودي الإفادة ، لا سيما في مقابلة إثبات الفناء لما يقابلهما من المال والبنين على طريقة (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل : ٩٦] ، ـ للإيذان بأن بقاءها أمر محقق لا حاجة إلى بيانه. بل لفظ (الباقيات) اسم لها لا وصف. ولذلك لم يذكر الموصوف. وإنما الذي يحتاج إلى التعرض له خيريّتها.
٤ ـ تكرير (خير) للإشعار باختلاف حيثيتي الخيرية والمبالغة. كذا يستفاد من أبي السعود ، مع زيادة.