لفظه ، وكل هذا عدول عن موجب الدليل. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب (الرؤية) له إجماع الصحابة على أنه لم ير ربّه ليلة المعراج. وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك. وشيخنا يقول : ليس ذلك بخلاف في الحقيقة. فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه ، وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال : إنه صلىاللهعليهوسلم رآه عزوجل. ولم يقل بعيني رأسه. ولفظ أحمد لفظ ابن عباس رضي الله عنهما. ويدل على صحته ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر رضي الله عنه : قوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث الآخر(حجابه النور) فهذا النور ، والله أعلم. النور المذكور في حديث أبي ذرّ رضي الله عنه (رأيت نورا).
ثم قال ابن القيم : وقوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) هذا مثل لنوره في قلب عبده المؤمن. كما قال أبيّ بن كعب وغيره : وقد اختلف في الضمير في (نوره) فقيل هو النبيّ صلىاللهعليهوسلم. أي مثل نور محمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : مفسره المؤمن. أي مثل نور المؤمن.
والصحيح أن يعود على الله تعالى. والمعنى : مثل نور الله سبحانه في قلب عبده. وأعظم عباده نصيبا من هذا النور رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فهذا ، مع ما تضمنه عود الضمير المذكور ـ وهو وجه الكلام ـ يتضمن التقادير الثلاثة ، وهو أتم لفظا ومعنى. وهذا النور يضاف إلى الله تعالى. إذ هو معطيه لعبده وواهبه إياه. ويضاف إلى العبد. إذ هو محله وقابله. فيضاف إلى الفاعل والقابل. ولهذا النور فاعل وقابل ، ومحل وحامل ، ومادة. وقد تضمنت الآية ذكر هذه الأمور كلها على وجه التفصيل. فالفاعل وهو الله تعالى مفيض الأنوار. الهادي لنوره من يشاء. والقابل : العبد المؤمن. والمحل : قلبه. والحامل : همته وعزيمته وإرادته. والمادة : قوله وعمله. وهذا التشبيه العجيب الذي تضمنته الآية ، فيه من الأسرار والمعاني وإظهار تمام نعمته على عبده المؤمن ، بما أناله من نوره ، ما تقرّ به عيون أهله وتبتهج به قلوبهم. وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان : إحداهما طريقة التشبيه المركب وهي أقرب مأخذا وأسلم من التكلف. وهي أن تشبه الجملة برمتها بنور المؤمن ، من غير تعرض لتفصيل كل جزء من أجزاء المشبه ، ومقابلته بجزء من المشبه به. وعلى هذا عامة أمثال القرآن. فتأمل صفة المشكاة ، وهي كوة تنفذ لتكون أجمع للضوء ، قد وضع فيها مصباح ، وذلك المصباح داخل زجاجة تشبه الكوكب الدريّ في صفائها وحسنها. ومادته من أصفى الأدهان وأتمها وقودا ، من زيت شجرة في وسط القراح ، لا شرقية ولا غربية ، بحيث