(كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي ذللناها لكم ، لتشكروا إنعامنا ، والشكر صرف العبد ما أنعم عليه ، إلى ما خلق لأجله.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٣٧)
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) أي لن يصيب رضاءه لحومها المتصدق بها ، ولا دماؤها المهراقة ، من حيث أنها لحوم ودماء. ولكن بمراعاة النية والإخلاص ، ابتغاء وجهه الأعلى ، ويقرب من هذه الآية قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) [البقرة : ١٧٧] ، إلى آخرها (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أي لتعرفوا عظمته فتوحدوه بالعبادة على ما أرشدكم إلى طريق تسخيرها ، وكيفية التقرب بها على لسان أكرم رسله المبعوث بسعادة الدارين. وإنما كرره تذكيرا للنعمة وتعليلا بما بعده. وفي التعليل المذكور شاهد لما قدمناه أولا في معنى قوله تعالى : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) [الحج : ٢٨] ، فتذكر. وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) أي المخلصين في أعمالهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (٣٨)
(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) كلام مستأنف ، مسوق لتوطين قلوب المؤمنين ، ببيان أن الله تعالى ناصرهم على أعدائهم ، بحيث لا يقدرون على صدهم عن الحج ، ليتفرغوا إلى أداء مناسكه. كذا قاله أبو السعود. وسبقه الرازي إليه. والأولى أن يقال : إنه طليعة لما بعده من الإذن بالقتال ، مبشرة بغاية النصرة والحفظ والكلاءة والعاقبة للمؤمنين. تشجيعا لهم على قتال من ظلمهم ، وتشويقا إلى استخلاص بيته الحرام ، ليتسنى لهم إقامة شعائره وأداء مناسكه. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) أي في أمانة الله (كَفُورٍ) أي لنعمته بعبادته غيره ، فلا يرتضي فعلهم ولا ينصرهم. وصيغة المبالغة فيهما ، لأنه في حق المشركين ، وهم كذلك ولأن خيانة أمانة الله وكفران نعمته لا يكون حقيرا ، بل هو أمر عظيم.