إذ شاء الله أن تقوله. فالآية بمثابة العناية به والتلطيف بالخطاب ، إثر ما يومئ إليه النهي إليها من رقيق العتاب ولذلك اعترضت بين سابق النهي عن استفتائهم ، ولا حق الأمر بذكره تعالى إذا نسي ، أي نسي ما وصّي به. وبما ذكرنا يعلم أن هذا المعنى له وجه وجيه.
فدعوى الناصر في (الانتصاف) أنه ليس هو الغرض ، وأن الغرض النهي عن هذا القول إلا مقرونا بمشيئته تعالى ـ قصر للآية على أحد معانيها ، وذهاب إلى ما هو المشهور في تأويلها ، وعدم تمعن في مثل هذا المعنى الدقيق ، بل وفي بقية المعاني الأخر التي اللفظ الكريم يحتملها. وقد ظهر قوة المعنى الأخير لموافقته لآية (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] ، والقرآن يفسر بعضه بعضا. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) أي خيرا ومنفعة.
والإشارة ، للنبأ المتحاور فيه.
تنبيهات :
الأول ـ روي أنه صلوات الله عليه سئل عن أصحاب الكهف والروح وذي القرنين ، فقال : أجيبكم عنها غدا ولم يستثن. فاحتبس الوحي خمسة عشر يوما ، ثم نزلت (وَلا تَقُولَنَ) الآية. وقد زيف هذه الرواية القاضي ـ كما حكاه الرازيّ ـ من أوجه. والحق له. لأنها من مرويات ابن إسحاق عن شيخ مجهول. كما ساقه عنه ابن كثير وغيره ، والله أعلم.
الثاني ـ يشير قوله تعالى : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) الآية ، إلى أن هذا النبأ ليس مما تنبغي العناية بتحقيقه وتدقيق أطرافه ، وابتغاء الرشاد فيه ، حتى يتكلف لفتوى أهل الكتاب فيه. العزم على فعل شيء مما يلابسه في المستقبل ، لأنه من الأمور الغابرة التي حق الخائض فيها أن ينظر منها إلى وجه العبرة والفوائد التي حوتها ، كما أحكمته آيات التنزيل في شأنها.
الثالث اعترضت هذه الآداب أعني من قوله تعالى : (فَلا تُمارِ) إلى هنا قبل تتميم نبئهم ، مبادرة إلى الاهتمام بهذه الآداب والاحتفاظ بها ، لتتمكن فضل تمكن ، وترسخ في النفس أشد رسوخ. والله أعلم.
الرابع روي عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) : إذا نسيت الاستثناء بالمشيئة ثم ذكرت فاستثن ، وذلك (كما قال القرطبيّ) لتدارك التبرك والتخلص عن الإثم.