تركه لم يكسره. فإن ترددتم أنه فعلي أو فعله (فَسْئَلُوهُمْ) أي يجيبوكم (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي والأظهر عجزهم الكليّ المانع من القول بإلهيتها. والقول فيه ، أن قصد إبراهيم صلوات الله عليه ، لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم. وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضيّ يبلغ فيه غرضه عن إلزامهم الحجة ، وتبكيتهم. ولقائل أن يقول : عاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مرتبة. وكان غيظ كبيرها أكبر وأشد ، لما رأى من زيادة تعظيمهم له. فأسند الفعل إليه لأنه هو الذي متسبب لاستهانته بها وحطمه لها والفعل كما يسند إلى مباشره ، يسند إلى الحامل عليه. فيكون تمثيلا أراد به عليهالسلام تنبيههم على غضب الله تعالى عليهم ، لإشراكهم بعبادته الأصنام. ويحكى أنه قال : فعله كبيرهم هذا ، غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها. فكأنه قيل : فعله ذلك الكبير على مقتضى مذهبكم ، والقضية ممكنة. وأظهر هذه الأوجه هو الأول. وعليه اقتصر الإمام ابن حزم في كتابه (الفصل) في الرد على من جوز على الأنبياء المعاصي ، وعبارته : وأما قوله عليهالسلام (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) فإنما هو تقريع لهم وتوبيخ كما قال تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩] ، وهو في الحقيقة مهان ذليل مهين معذب في النار. فكلا القولين توبيخ لمن قيلا له ، على ظنهم أن الأصنام تفعل الخير والشر. وعلى ظن المعذب في نفسه في الدنيا أنه عزيز كريم. ولم يقل إبراهيم هذا على أنه محقق لأن كبيرهم فعله. إذ الكذب ، إنما هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، وقصدا إلى تحقيق ذلك. وجليّ أن مراده عليهالسلام ، على كلّ ، إنما هو توجيههم نحو التأمل في أحوال أصنامهم كما ينبئ عنه قوله (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي إن كانوا ممن يمكن أن ينطقوا. قال أبو السعود : وإنما لم يقل عليهالسلام (إن كانوا يسمعون أو يعقلون) مع أن السؤال موقوف على السمع والعقل أيضا ، لما أن نتيجة السؤال هو الجواب ، وأنّ عدم نطقهم أظهر ، وتبكيتهم بذلك أدخل. وقد حصل ذلك أولا حسبما نطق به قوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) (٦٤)
(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) أي فراجعوا عقولهم ، ومراجعة العقل مجاز عن التفكير والتدبر ، والمراد بالنفس النفس الناطقة ، والرجوع إليها عبارة عما ذكر (فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) أي بهذا السؤال أو بعبادة من لا ينطق ولا يضر ولا ينفع ، لا من