الآمر بها نفع مّا ، لتعاليه وتنزهه بقوله (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ) أي لا نسألك مالا. بل نكلفك عملا ببدنك نؤتيك عليه أجرا عظيما وثوابا جزيلا. ومعنى : نحن نرزقك ، أي نحن نعطيك المال ونكسبك ولا نسألكه. قاله ابن جرير.
وقال أبو مسلم : المعنى أنه تعالى إنما يريد منه ومنهم العبادة. ولا يريد منه أن يرزقه كما تريد السادة من العبيد الخراج. وهو كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٦ ـ ٥٧] ، وقال بعض المفسرين : معنى الآية. أقبل مع أهلك على الصلاة واستعينوا بها على خصاصتكم. ولا تهتموا بأمر الرزق والمعيشة ، فإن رزقك مكفي من عندنا ، ونحن رازقوك. وهذا المعنى لا تدل عليه الآية منطوقا ولا مفهوما. وفيه حض على القعود عن الكسب ، ومستند للكسالى القانعين بسكنى المساجد عن السعي المأمور به. وقد قال تعالى : في وصف المتقين (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور : ٣٧] ، إشارة إلى جمعهم بين الفضيلتين. (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١].
وقوله تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) أي والعاقبة الحسنة من عمل كل عامل ، لأهل التقوى والخشية من الله ، دون من لا يخاف له عقابا ولا يرجو له ثوابا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٣٣)
(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) يعنون ما تعنتوا في اقتراحه مما تقدم ، في سورة بني إسرائيل ، من قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ ...) [الإسراء : ٩٠ ـ ٩١] الآية.
وقول تعالى : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي : أو لم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب ، من أنباء الأمم من قبلهم ، التي أهلكناهم لما سألوا الآيات ، فكفروا بها لما أتتهم ، كيف عجلنا لهم العذاب ، وأنزلنا بهم بأسنا بكفرهم بها. يقول : فماذا يؤمنهم إن أتتهم الآية ، أن يكون حالهم حال أولئك. هذا ما قاله ابن جرير.
وذهب غيره إلى أن المعنى : أو لم يأتهم آية هي أم الآيات وأعظمها ، وهي معجزة القرآن المبينة لما في الكتب الأولى من التوراة والإنجيل والزبور. مع أن الآتي