لنجاة عظيمة. وقد جعلني سبحانه أبا لفرعون ، وسيدا لجميع أهله ، ومتسلطا على جميع أرض مصر ، فبادروا وأشخصوا إلى أبي وأخبروه بجميع مجدي بمصر ، وما رأيتموه وقولوا له : كذا قال ابنك يوسف : قد جعلني الله سيدا لجميع المصريين ، فهلمّ إليّ ، فتقم في أرض جاسان ، وتكون قريبا مني أنت وبنوك ، وبنو بنيك ، ومواشيك ، وجميع ما هو لك ، وأعولك ، هاهنا ، فقد بقي خمس سنين مجدبة ، فأخشى أن يهلك الأهل والمال. وكان نما الخبر إلى بيت فرعون. وقيل : جاء إخوة يوسف ، فسرّ بذلك فرعون وخاصته وأمره أيضا بأن يؤكد عليهم إتيانهم بأبيهم وأهلهم ، ووعدهم خير أرض في مصر تكون لهم ، لئلا يأسفوا على ما خلّفوا. ثم زود يوسف إخوته أحسن زاد. وأعطاهم من الحلل والثياب والدراهم مقدارا وافرا ، وبعث إلى أبيه بمثل ذلك ، وأصحبهم عجلات لأطفالهم ونسائهم ، وأوصاهم ألا يتخاصموا في الطريق ـ والله أعلم ـ.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (٩٤)
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي خرجت من مصر. يقال : فصل القوم عن المكان وانفصلوا ، بمعنى فارقوه (قالَ أَبُوهُمْ) أي : لحفدته ومن حوله من قومه ، من عظم اشتياقه ليوسف ، وانتظاره لروح الله : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) الريح : الرائحة ، توجد في النسيم. أي : لأتنسم رائحته مقبلة إليّ. كناية عن تحققه وجوده بما ألقى الله في روعه من حياته ، وساق إليه من نسائم البشارة الغيبية بسلامته. وقد كان عظم رجاؤه بذلك من مولاه ، ووثق بنيل مأموله ومبتغاه ، ولذلك نهى نبيه عن الاستيئاس من روح الله. وإذا دنا أجل الضراء ، أخذت تهب نسائم الفرج حاملة عرف السراء ، يدري ذلك كل من قوي إحساسه ، وعظمت فطنته ، واستنارت بصيرته ، فيكاد أن يلمس في نهاية الشدة زهر الفرج ، ولا يحنث إن آلى أنه يجد من نسيمه أزكى الفرج. عرف ذلك من عرف ، فأحرى بمن نالوا من النبوة ذروة الشرف.
وإضافة الريح إلى الولد معروفة في كلامهم : وفي حديث عند الطبرانيّ : ريح الولد من ريح الجنة : وقال الشاعر :