مادة هي غيره.
وإنّما قلنا إنّه فعل في ذاته ، لكونه أول موجود ، فقد بين أنّه فعل ذاته لا من
مادة ، وهو ما ذكرناه ، وفاعل لا في مادة هي غيره ، وهو ما يصور به تابعيه على ما
نبيّنه في موضعه.
وقال في فصل ثان :
فالموجود الأول أصل إليه ينتهي كل موجود. فقد بيّن أنّه علّة لغيره ، وأنّه تام في
فعله. وكما صار الناطق وجوده ناطقا لا من جهة من كان من جنسه من البشر ، صار
الموجود الأول لا عمن هو من جنسه ، فقد صرح أنّه من عالم مثل ما الناطق من جنس
البشر .
وقال أيضا : فإن
الصفات والمعاني ، تلحقه بالإضافات ، مثل الحالتين الأوليتين بهما الكمال الأول
الذي به يتعلق وجود الذات التي هي الموصوف ، والكمال الثاني الذي به يتعلّق وجود
شرف الذات التي هي الصفة. فالكمال الأول مثله كالحامل ، والكمال الثاني كالمحمول
بيانه ، وهما من تلك الذات كالفردين اللّذين بهما وجود الواحد الذي يجمع وحدة ، وما بها صارا واحدا جمعا ، وهما فردان ؛ ذلك بأن يكون
جامعا للوحدة والكثرة على نظام يبرأ من آية التغاير الموجب وجوده كون ما عنه وجوده
على أمرين ، صار كل منهما لوجود كل منهما سببا ، فيصير كونه على ذلك موجبا ما
يتأول عليه ، بريئا من آيات توجب رتبة وراءه ، وهو واحد بالذات ، كثير بالإضافات ، مثل كونه إبداعا إذا أضيف إلى ما عنه وجوده ، وكونه
مبدعا إذا أضيف
__________________