الباب الرّابع عشر
«في القول على العذاب بحقيقته ومعنويته»
قال الشخص الفاضل صاحب الرسائل نضر الله وجهه ورزقنا شفاعته في معرفة إبليس وذريته الشياطين ، ومواضعها من المعادن والنبات والحيوان والإنسان : اعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروح منه أنّه لما وقعت النفوس الجزئية في ظلمة الخطيئة وتخلفت عن الإجابة ، وجنت الجناية المذكورة في القرآن بما قد ذكرنا طرفا منه في الرسائل ، اهبطت من عالمها الروحاني إلى المحل الجسماني ، وقيل لهم : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) (١) وقيل : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٢). فتقطعت وهوت واتحدت بالأجسام الطبيعية والصور التركيبية ، وانقسمت قسمين ، وهبطت فرقتين مختلفتين ما بين عاص مصرّ مستكبر ، وتائب راجع مستقيل ، كتوبة آدم وإصرار إبليس ومن تبعه.
وانقسمت كل فرقة منها فرقتين ونزلت منزلتين. فالتائبون اثنان : مسارع في توبته ، عارف بزلته ، راجع إلى ربه عن قرب من مكانه ، وسرعة من زمانه ، يتذكر إذا ذكر ، ويقبل الموعظة ويتفكر في خلق السموات والأرض فيقر بتوحيد مبدعه ، ويرجع إلى طاعة خالقه. وآخر متوان في توبته ، متردد (٣) في جهالته ، فهو يتذكر الشيء بعد الشيء ، فهو
__________________
(١) سورة : ٧٧ / ٣٠ ، ٣١.
(٢) سورة : ٢ / ٣٦.
(٣) متردد : متردي في ج.