(٧)
والشيء المحقّق أنّ صلاح الامّة بجميع شرائحها منوط بصلاح القضاء ، الذي فيه يسود الأمن ، ويحسم الاعتداء والظلم ، وتنشر العدالة في البلاد ، وأمّا إذا فسد القضاء وخضع للمؤثّرات الخارجية فإنّ الامّة تشيع فيها الجريمة ، وتصاب بشلل فكري واجتماعي ، وتسود فيها الفوضى واللاّمبالاة ولا يأمن أي فرد على نفسه وعرضه وماله.
إنّ فساد القضاء من أقسى الكوارث وأمرّ الخطوب التي تحلّ بالمجتمع ، فإنّه يفقد الأمن والاستقرار ، ويفقد جميع مقوّمات الحياة ، وقد اهتمّ الإسلام اهتماما بالغا بصلاح القضاء وسلامته من كلّ زيغ وانحراف.
(٨)
وموضوع هذا الكتاب التحدّث عن قضاء الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، وإنّما ذكرنا الفصول المتقدّمة تمهيدا أو استطرادا ـ كما يقول علماء الاصول ـ للبحث عن قضاء الإمام عليهالسلام ، فقد برز على مسرح القضاء الإسلامي كألمع شخصية علمية موهوبة عرفها التاريخ الإسلامي في فنّ القضاء وغيره من البحوث الفقهية.
لقد كان الإمام الملهم العظيم أوّل من وضع معظم اسس القضاء ، وميّز بين الحقّ والباطل في دعوى المتخاصمين التي احيطت بكثير من الغموض والإبهام ، وقد استطاع بأروع الأساليب أن يكشف الحقّ ، ويزيح الالتباس ، الأمر الذي أثار إعجاب علماء القانون والقضاة ، ومنه استمدّوا الكثير من المعلومات في التمييز بين الدعاوى ومعرفة الحقّ فيها.