الأدعياء مشركون غالباً : بعد ما انتهت قصة يوسف عليهالسلام بكل دروسها التربوية ونتائجها الغزيرة والقيّمة والخالية من جزاف القول والخرافات التاريخية ... إنتقل الكلام إلى النبي صلىاللهعليهوآله حيث يقول القرآن الكريم : (ذلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ). فالوحي الإلهي فقط هو الذي جاءك بهذه الأخبار.
وكان لزاماً على الناس أن يؤمنوا بعد مشاهدتهم لعلائم الوحي وسماعهم لهذه النصائح الإلهية ، وأن يتراجعوا عن طريق الغيّ ، ولكن يا أيها النبي : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
إنّ الوصف ب (الحرص) هنا دليل على شوق ولهفة النبي صلىاللهعليهوآله لأن يؤمن الناس.
وهذه الآية بالإضافة إلى ما ذكرنا هي تسليةً لقلب النبي صلىاللهعليهوآله حتى لا ييأس أبداً من إصرارهم على الكفر والذنوب ، كما نقرأ في الآية (٦) من سورة الكهف : (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثُ أَسَفًا). وقوله تعالى : (وَمَا تَسَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ). فهؤلاء في الواقع ليس لهم أي عذر أو مبرّر لعدم قبول الدعوة بالإضافة إلى ما اتّضح من علامات الحق أنّك لم تسألهم أجراً حتى يكون مبرّراً لمخالفتك : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ).
وهذه الدعوة عامة للجميع ، ومائدة واسعة للعام والخاص وكل البشرية.
(وَكَأَيِّن مِّنْءَايَةٍ فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ). فهذه الدلائل يرونها بأعينهم كل يوم.
إنّ أسرار هذا النظام العجيب وهذا الشروق والغروب وحياة النباتات والحشرات والإنسان ، وهدير المياه ، وحركة النسيم ، وكل هذا الفن العجيب للوجود هو من الوضوح بحيث إن لم يتدبّر أحد فيه وفي خالقه سيكون كالخشبة المسنّدة.
ولهذا فلا تعجب لعدم إيمانهم بالآيات المنزلة عليك ، لأنّهم لم يؤمنوا بالآيات المحيطة بهم من كل مكان (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُّشْرِكُونَ).
قد يتصور هؤلاء أنّهم من المؤمنين المخلصين ولكن غالباً ما توجد جذور الشرك في أفكارهم وأقوالهم وضمائرهم.
فالمؤمن المخلص هو الذي لا يعتقد بأيّ معبود سوى الله ، فتكون أقواله وأعماله وكل أفعاله خاضعة له. ولا يعترف بغير قانون الله.
وفي آخر آية يحذّر القرآن الكريم اولئك الذين لم يؤمنوا بعد ويمرّوا على الآيات الواضحة