العزيز وكرمه سوف يسهّلان حصوله (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).
وفي كل الأحوال رفض يعقوب إرسال إبنه بنيامين معهم ، ولكنّه كان يواجه إصرار أولاده بمنطقهم القوي بحيث اضطر إلى التنازل على مطلبهم ولم يَر بدّاً من القبول ، ولكنّه وافق بشرط : (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ).
والمقصود من قوله (مَوْثِقًا مِّنَ اللهِ) هو العهد واليمين المتضمن لإسم الله سبحانه وتعالى.
فقد وافق اخوة يوسف بدورهم على شرط أبيهم ، وحينما أعطوه العهد والمواثيق المغلّظة قال يعقوب : (فَلَمَّاءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).
(وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (٦٨)
وأخيراً توجّه إخوة يوسف صوب مصر للمرّة الثانية بعد إذن أبيهم وموافقته على إصطحاب أخيهم الصغير معهم ، وحينما أرادوا الخروج ودعهم أبوهم موصياً إيّاهم بقوله : (وَقَالَ يَا بَنِىَّ لَاتَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَةٍ).
ثم أضاف : إنّه ليس في مقدوري أن أمنع ما قد قدّر لكم في علم الله سبحانه وتعالى (وَمَا أُغْنِى عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَىْءٍ).
ثم قال أخيراً : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ).
لا شك في أنّ عاصمة مصر كانت تمتلك أبواباً متعددة ، ذهب جمع من المفسرين إلى أنّ سبب هذه النصيحة هو أنّ إخوة يوسف كانوا يتمتعون بقسط وافر من الجمال وبأجسام قوية رشيقة ، وكان الأب الحنون في قلق شديد من الفات نظر الناس إلى هذه المجموعة المكوّنة فيصيبهم الحسد من تلك العيون الفاحصة.
وهناك سبب آخر وهو أنّ دخول هذه المجموعة إلى مصر بوجوههم المشرقة وأجسامهم الرشيقة القويمة قد يثير الحسد والبغضاء في بعض النفوس الضعيفة فيسعون ضدّهم عند السلطان.