سبحانه وتعالى في إخبار أبيه ، لأنّ قصة يوسف مع غض النظر عن خصائصه الذاتية كانت ساحة لاختبار يعقوب وحقلاً لإمتحانه ، فلابدّ من أن يؤدّي يعقوب إمتحانه ويجتاز فترة الاختبار قبل أن يسمح ليوسف بإخباره ، وإضافة إلى هذا فإنّ إسراع يوسف في إخبار إخوته قد يؤدّي إلى عواقب غير محمودة ، مثلاً قد يستولي عليهم الخوف والهلع من إنتقام يوسف منهم لما إرتكبوه سابقاً في حقه فلا يرجعوا إليه.
(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (٦٦)
موافقة يعقوب : رجع اخوة يوسف إلى كنعان فرحين حاملين معهم المتاع الثمين ، لكنّهم كانوا يفكّرون بمصيرهم في المستقبل وأنّه لو رفض الأب ولم يوافق على سفر أخيهم الصغير (بنيامين) فإنّ عزيز مصر سوف لن يستقبلهم ، كما إنّه لا يعطيهم حصّتهم من الحبوب والمؤن. ومن هنا يقول القرآن : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) ولا سبيل لنا للحصول عليه إلّاأن ترسل معنا أخانا (فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ) وكن على يقين من أنّنا سوف نحافظ عليه ونمنعه من الآخرين (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
ثم أضاف : (فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
ثم إنّ الاخوة حينما عادوا من مصر (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) فشاهدوا أنّ هذا الأمر هو برهان قاطع على صحّة طلبهم ، فجاؤوا إلى أبيهم و (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِى هذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّت إِلَيْنَا).
فيا أبانا ليس هناك مجال للتأخير ـ ابعث معنا أخانا لكي نسافر ونشتري الطعام (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا) وسوف نكون جادّين في حفظ أخينا (وَنَحْفَظُ أَخَانَا) ، وهكذا نتمكن من أن نشتري كيل بعير من الحبوب (وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) وإنّنا على يقين في أنّ سماحة