واصل الاخوة سيرهم نحو مصر ، وبعد أن قطعوا مسافة طويلة وشاسعة بين كنعان ومصر دخلوا الأراضي المصرية ، وعند ذاك (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ اللهِ مِن شَىْءٍ). فهم برغم تفرّقهم إلى جماعات صغيرة ـ طبقاً لما وصّاهم به أبوهم ـ فإنّ الفائدة والثمرة الوحيدة التي ترتّبت على تلك النصيحة ليس (إِلَّا حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضهَا). وهذه إشارة إلى أنّ أثرها لم يكن سوى الهدوء والطمأنينة التي إستولت على قلب الأب الحنون الذي بعد عنه أولاده ، وبقي ذهنه وفكره مشغولاً بهم وبسلامتهم وخائفاً عليهم من كيد الحاسدين وشرور الطامعين ، فما كان يتسلّى به في تلك الأيّام لم يكن سوى يقينه القلبي بأنّ أولاده سوف يعملون بنصيحته.
ثمّ يستمرّ القرآن في مدح يعقوب ووصفه بقوله : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ). وهذه إشارة إلى أنّ كثيراً من الناس يتيهون في الأسباب وينسون قدرة الله سبحانه وتعالى ، إلّاأنّ يعقوب كان عالماً بأنّه بدون إرادة الله سبحانه وتعالى لا يحدث شيء ، فكان يتوكّل في الدرجة الاولى على الله سبحانه وتعالى ويعتمد عليه ، ثم يبحث عن عالم الأسباب.
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (٧٠) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَا ذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٧٦)