نقل بعض المفسرين أنّه كان من عادة يوسف أن لا يعطي ولا يبيع لكل شخص إلّاحمل بعير واحد ، وبما أنّ إخوته كانوا عشرة فقد باع لهم ١٠ أحمال من الحبوب ، فقالوا : إنّ لنا أباً شيخاً كبيراً عاجزاً عن السفر وأخاً صغيراً يرعى شؤون الأب الكبير ، فطلبوا من العزيز أن يدفع إليهم حصّتهما ، فأمر يوسف أن يضاف إلى حصصهم حملان آخران ، ثمّ توجّه إليهم مخاطباً إيّاهم وقال : فأتوا بأخيكم الصغير في سفركم القادم لتثبتوا صدقكم ، وتدفعوا التّهمة عن أنفسكم.
وهنا يقول القرآن الكريم : إنّه حينما جهّزهم يوسف بجهازهم وأرادوا الرحيل عن مصر (وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِى بِأَخٍ لَّكُم مّنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ). لكنّه ختم كلامه بتهديد مبطّن لهم ، وهو إنّني سوف أمنع عنكم المؤن والحبوب إذا لم تأتوني بأخيكم : (فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلَا تَقْرَبُونِ) ، وكان يوسف يحاول بشتّى الطرق ، تارة بالتهديد ، واخرى بالتحبب ، أن يلتقي بأخيه بنيامين ويبقيه عنده ، وظهر من سياق الآيات ، أمران : أنّ الحبوب كانت تباع وتشترى في مصر بالكيل لا بالوزن ، واتّضح أيضاً أنّ يوسف كان يستقبل الضيوف ـ ومنهم اخوته ـ الذين كانوا يفدون إلى مصر بحفاوة بالغة ويستظيفهم بأحسن وجه.
وأجاب إخوة يوسف على طلب أخيهم : (قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ).
ويستفاد من قوله (إِنَّا لَفَاعِلُونَ) وإجابتهم الصريحة لعزيز مصر ، أنّهم كانوا مطمئنين إلى قدرتهم على التأثير على أبيهم وأخذ الموافقة منه ، وكيف لا يكونون مطمئنين بقدرتهم على ذلك وهم الذين استطاعوا بإصرارهم وإلحاحهم أن يفرّقوا بين يوسف وأبيه؟!
وأخيراً أمر يوسف رجاله بأن يضعوا الأموال التي اشتروا بها الحبوب في رحالهم ـ جلباً لعواطفهم ـ (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
لماذا لم يظهر يوسف حقيقته لإخوته؟ بالنسبة للآيات السابقة فإنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن هو إنّه لماذا لم يعرّف يوسف نفسه لإخوته ، حتى يقفوا على حقيقة حاله ويرجعوا إلى أبيهم ويخبرونه عن مصير يوسف ، وبذلك تنتهي آلامه لأجل فراق يوسف؟
حاول جمع من المفسرين ـ كالعلّامة الطبرسي في مجمع البيان والعلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ـ الإجابة على هذا السؤال ، وذكروا له عدّة أجوبة ، ولعل أحسنها وأقربها هو أنّ يوسف لم يكن مجازاً من قبل الله