منهم ، حتى غيّرت (حظّه
وطالعه) حادثة صغيرة بحسب الظاهر ... ولم تغيّر هذه «الظاهرة» حظّه فحسب ، بل حظّ
امّة مصر وما حولها.
لقد رأى ملك مصر الذي
يقال أنّ اسمه هو «الوليد بن الريان» وكان «عزيز مصر وزيره» رأى هذا الملك رؤيا
مهولة ، فأحضر عند الصباح المعبّرين للرؤيا ومن حوله فقصّ عليهم رؤياه (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنّى أَرَى سَبْعَ
بِقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلتٍ خُضْرٍ
وَأُخَرَ يَابِستٍ).
ثم إلتفت إليهم طالباً منهم تعبير رؤياه فقال : (يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى رُءْيىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ).
ولكن حاشية السلطان وجموا إزاء هذه الرؤيا و (قَالُوا أَضْغثُ
أَحْلمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلمِ بِعَالِمِينَ).
«الأضغاث» : جمع «ضِغْث» ومعناه
المجموعة من الحطب أو العشب اليابس أو الأخضر أو شيء آخر ؛ و «الأحلام» : جمع «حُلُم»
معناه الطيف والرؤيا ، فيكون معنى (أَضْغَاثُ أَحْلمٍ)
هو الأطياف المختلطة ، فكأنّها متشكلة من مجموعة مختلفة ومتفاوتة من الأشياء.
وهنا تذكّر ساقي الملك ما حدث له
ولصاحبه في السجن مع يوسف ، ونجا من السجن كما بشّره يوسف (وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا
وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونَ).
وهكذا حرّك كلام الساقي المجلس وشخصت
الأبصار نحوه ، وطلبوا منه الإسراع بالذهاب إليه والإتيان بالخبر.
مضى الساقي إلى السجن ليرى صديقه القديم
... ذلك الصديق الذي لم يف بوعده له ، لكنّه ربّما كان يعرف أنّ شخصية يوسف
الكريمة تمنعه من فتح «باب العتاب» فالتفت إليه وقال : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصّدّيقُ أَفْتِنَا
فِى سَبْعِ بِقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلتٍ
خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَعْلَمُونَ).
إنّ يوسف دون أن يطلب شرطاً أو قيداً أو
أجراً لتعبيره ، عبّر الرؤيا فوراً تعبيراً دقيقاً لا غموض فيه ولا حجاب مقروناً
بما ينبغي عمله في المستقبل و (قَالَ تَزْرَعُونَ
سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً
مِمَّا تَأْكُلُونَ).
ثم أنّه يحلّ بكم القحط لسبع سنين
متوالية فلا أمطار ولا زراعة كافية ، فعليكم بالاستفادة مما جمعتم في سنيّ الرخاء (ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ
شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ).
ولكن عليكم أن تحذروا من إستهلاك الطعام
(إِلَّا قَلِيلاً
مِّمَّا تُحْصِنُونَ)
وإذا واظبتم على هذه الخطّة فحينئذ لا خطر يهدّدكم لأنّه (ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ
فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ).