(ويُغَاثُ النَّاسُ). أي يدركهم الغيث فتكثر خيراتهم ، وليس هذا فحسب ، بل (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) المحاصيل لإستخراج الدهن والفاكهة لشراب عصيرها ... الخ.
كم كان تعبير يوسف لهذه الرؤيا دقيقاً ومحسوباً. في الحقيقة لم يكن يوسف مفسّراً بسيطاً للأحلام ، بل كان قائداً يخطّط من زاوية السجن لمستقبل البلاد ، وقد قدّم مقترحاً من عدّة مواد لخمسة عشر عاماً على الأقل ، وكما سنرى فإنّ هذا التعبير المقرون بالمقترح للمستقبل حرّك الملك وحاشيته وكان سبباً لإنقاذ أهل مصر من القحط القاتل من جهة ، وأن ينجو يوسف من سجنه وتخرج الحكومة من أيدي الطغاة من جهة اخرى.
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٣)
تبرئة يوسف من كل إتهام : لقد كان تعبير يوسف لرؤيا الملك دقيقاً ومدروساً ومنطقياً ، لقد فهم الملك إجمالاً أنّ يوسف لم يكن رجلاً يستحق السجن ، بل هو شخص أسمى مقاماً من الإنسان العادي ، دخل السجن نتيجة حادث خفي ، لذلك تشوّق لرؤيته ، ولكن لا ينبغي للملك أن ينسى غروره ويسرع إلى زيارته ، بل أمر أن يُؤتى به إليه كما يقول القرآن : (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ) لم يوافق يوسف على الخروج من السجن دون أن يثبت براءته ، فالتفت إلى رسول الملك و (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبّكَ فَسَلْهُ مَا بَالُ النّسْوَةِ التِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ). إذن ... فيوسف لم يرغب أن يكون كأيّ مجرم ، أو على الأقل كأيّ متهم يعيش مشمولاً ب «عفو الملك» ... لقد كان يرغب أوّلاً أن تثبت براءته وطهارة ذيله ، ويخرج من السجن مرفوع الرأس ، كما يُثبت ضمناً تلوّث النظام الحكومي وما يجري في قصر وزيره.
ثم يضيف يوسف : إذا لم يعلم سبب سجني شعب مصر ولا جهازه الحكومي وبأي سبب وصلت السجن ، فالله مطلع على ذلك (إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ).