إنّ امرأة العزيز كانت تريد أن تقضي وطراً مع يوسف ، وبذلت وسعها في ذلك ، وكاد يوسف يستجيب لرغبتها بطبيعة كونه بشراً شابّاً لم يتزوج ويرى نفسه إزاء المثيرات الجنسية وجهاً لوجه ... لولا أن رأى برهان الله ... أي روح الإيمان والتقوى وتربية النفس ، أضف إلى كل ذلك مقام العصمة الذي كان حائلاً دون هذا العمل.
الطريف أنّ هذا التفسير نقل عن الإمام الرضا عليهالسلام في عيون الأخبار للصدوق رحمهالله باسناده إلى علي بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا عليهالسلام فقال له المأمون : يابن رسول الله أليس من قولك : أنّ الأنبياء معصومون؟ قال : «بلى». قال المأمون : فما معنى قول الله عزوجل إلى أن قال : فأخبرني عن قول الله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّءَا بُرْهنَ رَبِّهِ). فقال الرّضا عليهالسلام : «لقد همّت به ، ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت به ، لكنّه كان معصوماً والمعصوم لا يهُمّ بذنب ولا يأتيه». فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن.
والآن لنتوجّه إلى تفسير بقية الآية إذ يقول القرآن المجيد : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ). وهي إشارة إلى أنّ هذا الإمداد الغيبي والإعانة المعنوية لإنقاذ يوسف من السوء والفحشاء من قبل الله لم يكن إعتباطاً ، فقد كان عبداً عارفاً مؤمناً ورعاً ذا عمل صالح طهّر قلبه من الشرك وظلماته.
وبيان هذا الأمر يدل على أنّ مثل هذه الإمدادات الغيبية ، في لحظات الشدة والأزمة التي تدرك الأنبياء ـ كيوسف مثلاً ـ غير مخصوصة بهم ، فإنّ كل من كان في زمرة عباد الله الصالحين المخلصين فهو جدير بهذه المواهب أيضاً.
العفة والمتانة في البيان : من عجائب القرآن وواحدة من أدلّة الإعجاز ، أنّه لا يوجد في تعبيره ركّة وإبتذال وعدم العفة وما إلى ذلك ، كما أنّه لا يتناسب مع اسلوب الفرد العادي الامّي الذي تربّى في محيط الجاهليّة ، مع أنّ حديث كل أحد يتناسب مع محيطه وأفكاره.
وبين جميع قصص القرآن وأحداثه التي ينقلها توجد قصة غرام وعشق واقعية ، وهي قصة (يوسف وامرأة عزيز مصر).
قصة تتحدّث عن عشق امرأة جميلة والهة ذات أهواء جامحة لشاب جميل طاهر القلب.
ولكن القرآن يمزج في رسم هذه الميادين الحسّاسة من هذه القصة ـ باسلوب معجب ـ الدقة في البيان مع المتانة والعفة ، دون أن يغض الطرف عن ذكر الوقائع ، أو أن يظهر العجز ، وقد استعمل جميع الاصول الأخلاقية والامور الخاصة بالعفة.