العشق الملتهب : لم يأسر جمال يوسف الملكوتي عزيز مصر فحسب ، بل أسر قلب امرأة العزيز كذلك وأصبح متيّماً بجماله. وامتدّت مخالب العشق إلى أعماق قلبها ، وبمرور الزمن كان هذا العشق يتجذّر يوماً بعد يوم ويزداد إشتعالاً ... لكنّ يوسف هذا الشاب الطاهر التقي ، لم يفكّر بغير الله ، ولم يتعلق قلبه بغير عشق الله سبحانه.
وهناك امور اخرى زادت من عشق امرأة العزيز ليوسف ... فمن جهة لم تُرزق الولد ، ومن جهة اخرى إنغمارها في حياة مترفة مفعمة بالبذخ ... ومن جهة ثالثة عدم إبتلائها بأيّ نوع من البلاء كما هي حال المتنعمين ، وعدم الرقابة الشديدة على هذا القصر من قبل العزيز من جهة رابعة ... كل ذلك ترك امرأة العزيز ـ الفارغة من الإيمان والتقوى ـ تهوي في وساوسها الشيطانية إلى الحضيض ، بحيث أفضت ليوسف أخيراً عمّا في قلبها وراودته عن نفسه.
واتّبعت جميع الأساليب والطرق للوصول إلى هدفها ، وسعت لكي تلقي في قلبه أثراً من هواها وترغيبها وطلبها ، كما يقول عن ذلك القرآن الكريم : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ). وجملة «راودته» : مأخوذة من مادّة «المراودة» وأصلها البحث عن المرتع والمرعى ، ثم توسّعوا في هذا اللفظ فاطلق على كل ما يُطلب بالمداراة والملاءمة.
وهذا التعبير يشير إلى أنّ امرأة العزيز طلبت من يوسف أن ينال منها بطريق المسالمة والمساومة وبدون أي تهديد ، وأبدت محبتها القصوى له بمنتهى اللين.
وأخيراً فكّرت في أن تخلو به وتوفّر له جميع ما يثير غريزته ، من ثياب فضفاضة ، وعطور عبقة شذية ، وتجميلات مرغبة ، حتى تستولي على يوسف وتأسره.
يقول القرآن الكريم : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ).
«غلّقت» : تدل على المبالغة وأنّها أحكمت غلق الأبواب.
وفي هذه الحال ، حين رأى يوسف أنّ هذه الامور تجري نحو الإثم ، ولم ير طريقاً لخلاصه منها ، توجّه يوسف إلى زليخا و (قَالَ مَعَاذَ اللهِ). وبهذا الكلام رفض يوسف طلب امرأة العزيز غير المشروع. وبهذه الجملة إعترف يوسف بوحدانية الله تعالى من الناحية النظرية ، وكذلك من الناحية العملية أيضاً ، ثم أضاف : (إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ) ... أليس التجاوز ظلماً وخيانة واضحة (إِنَّهُ لَايُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
وهنا يبلغ أمر يوسف وامرأة العزيز إلى أدقّ مرحلة وأخطرها ، حيث يعبّر القرآن عنه تعبيراً ذا مغزى كبير (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّءَا بُرْهنَ رَبِّهِ).