يوسف أو إرساله إلى البقاع البعيدة التي يُخشى عليه من الهلاك فيها ... فاقترح عليهم اقتراحاً ثالثاً ، وهو أن يلقى في البئر (بشكل لا يصيبه مكروه) لتمرّ قافلة فتأخذه معها ، ويغيب عن وجه أبيه ووجوههم ، حيث تقول الآية في هذا الصدد : (قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ لَاتَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَابَتِ الْجُبّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ). «الجبّ» : معناه «البئر» التي لم تنضّد بالطابوق والصخور ، ولعلّ أغلب آبار الصحراء على هذه الشاكلة.
يستفاد من جملة (إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) أنّ القائل لم يكن يرغب ـ أساساً ـ حتى بهذا الاقتراح ولعلّه كان لا يوافقهم على إيذاء يوسف أصلاً.
أثر الحسد المدمّر في حياة الناس : الدرس الآخر الذي نتعلّمه من هذه القصة ، وهو أنّ الحسد يمكن أن يدفع الإنسان حتى إلى قتل أخيه ، أو ايجاد المشاكل له ، فنار الحسد إذا لم يمكن إخمادها فإنّها ستحرق صاحبها بالإضافة إلى إحراق الآخرين بها.
ولهذا نجد في الأحاديث الإسلامية تعابير مؤثرة تدعو إلى مكافحة هذه الرذيلة ، وعلى سبيل المثال نورد منها ما يلي :
١ ـ في الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله قال الله عزوجل لموسى بن عمران عليهالسلام : يابن عمران لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدّن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك فإنّ الحاسد ساخط لنعمي صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي».
٢ ـ وفي الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «آفة الدين الحسد والعجب والفخر». كما نقرأ له حديثاً يقول : «إنّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط».
كما نستنتج درساً آخر من هذا المقطع في القصة ، وهو أنّ الوالدين ينبغي أن يلاحظا أبناءها الآخرين عند إبراز عنايتهما ومحبتهما لواحد منهم ، لأنّ إبراز العلاقة لبعض الأبناء دون بعض توجد عقدةً في نفوس الآخرين ، إلى درجة أنّها تجرّهم إلى كل عمل مخرّب ، حيث يجدون شخصياتهم منهزمة ولابدّ من تحطيم شخصية أخيهم للتعويض عن هذه الهزيمة ، فيكون الإقدام على هذا العمل دون لحاظ الرحمية ووشائج القربى.
وإذا لم يستطع الإنسان أن يقوم بعمل معاكس ، فإنّه يظل يلوم نفسه ويحرضها حتى يبتلى بالمرض النفسي.
وفي هذا الصدد نقرأ في الروايات الإسلامية أنّ الإمام الباقر عليهالسلام قال يوماً : «والله إنّي