أراد أمراً فهو قادر على أن يجريه حتى على أيدي من يخالفون ذلك الأمر ، ليتجلى أنّ الإنسان المؤمن الطاهر ليس وحيداً في هذا العالم ، فلو سعى جميع أفراد هذا العالَم إلى إزهاق روحه والله لا يريد ذلك ، فإنّهم لا يستطيعون أن يسلبوا منه شعرة واحدة.
كان ليعقوب اثنا عشر ولداً ، واثنان منهم : يوسف وبنيامين وهما من ام واحدة اسمها راحيل ، وكان يعقوب يولي هذين الولدين محبة خاصة ، لا سيما يوسف. لأنّهما أوّلاً : أصغر أولاده ، وبالطبع فهما يحتاجان إلى العناية والرعاية والمحبة.
وثانياً : لأنّ امّهما ارتحلت من الدنيا ـ طبقاً لبعض الروايات ـ وبعد هذا كله كانت بوادر النبوغ والذكاء الحادّ ترتسم على يوسف ، وهذه الامور أدّت إلى أن يولي يعقوب ابنه هذا عناية أكثر.
إلّا أنّ الإخوة الحساد ـ دون أن يلتفتوا إلى هذه الجهات ـ تألّموا من حبّ أبيهم ليوسف وأخيه ، وخاصه بعد اختلافهم في الام والمنافسة الطبيعية المترتبة على هذا الأمر. لهذا اجتمعوا فيما بينهم وتدارسوا الأمر وصمموا على المؤامرة (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ).
وحكموا على أبيهم من جانب واحد بقولهم : (إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَللٍ مُّبِينٍ).
وبالطبع فإنّ اتهامهم لأبيهم بالضلالة ، لم يكن المقصود منها الضلالة الدينية ، لأنّ الآيات الآتية تكشف عن اعتقادهم بنبوّة أبيهم ، وإنّما استنكروا طريقة معاشرته فحسب.
ثمّ أدّى بهم الحسد إلى أن يخططوا لهذا الأمر ، فاجتمعوا وقدموا مقترحين وقالوا : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) ـ أرسلوه إلى منطقة بعيدة ـ (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ).
ومن الحق أن تشعروا بالذنب والخجل في وجدانكم لأنّكم تقدمون على هذه الجناية في حق أخيكم الصغير ، ولكن يمكن أن تتوبوا وتغسلوا الذنب (وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
إنّ هذه الجملة تدلّ على إحساسهم بالذنب من هذا العمل ، وكانوا يخافون الله في أعماق قلوبهم ، ولذلك قالوا : نتوب ونكون من بعده قوماً صالحين.
ولكن المسألة المهمّة هنا هي أنّ الحديث عن التوبة قبل الجريمة ـ في الواقع ـ هو لأجل خداع «الوجدان» وإغرائه وفتح الباب للدخول إلى الذنب ، فلا يعدّ دليلاً على الندم أبداً.
ولكن كان من بين الاخوة من هو أكثر ذكاءً وأرق عاطفة ووجداناً ، لأنّه لم يرض بقتل