الغليظ في أربعة موارد (١).
وبملاحظة تلك الآية بدقّة نستنتج أنّ العذاب الغليظ مرتبط بالدار الآخرة ، وخصوصاً الآيات التي جاءت في سورة ابراهيم وذكر فيها العذاب الغليظ ، فإنّها تصف بصراحة حال أهل جهنم وأهوالها ، وهكذا يكون ، وذلك لأنّ عذاب الدنيا مهما كان شديداً فإنّه أخفّ من عذاب الآخرة!
وهناك تناسب ينبغي ملاحظته أيضاً ، وهو أنّ قوم عاد ـ كما سيأتي بيان حالهم إن شاء الله ـ ورد ذكرهم في سورة القمر ، والحاقة ، وكانوا قوماً ذوي أبدان طوال خشنين ، فشبّهت أجسامهم بالنخل ، ولهذا السبب كانت لديهم عمارات عالية عظيمة ، بحيث نقرأ في تاريخ ما قبل الإسلام أن العرب كانوا يَنسبون البناءات الضخمة والعالية إلى عاد ويقولون مثلاً : «هذا البناء عادي» لذلك كان عذابهم مناسباً لهم لا في العالم الآخر بل في هذه الدنيا كان عذابهم خشناً وعقابهم صارماً ، كما مرّ في تفسير السور الآنفة الذكر.
ثمّ تلخّص الآيات ذنوب قوم عادٍ في ثلاثة مواضيع :
الأوّل : بإنكارهم لآيات الله وعنادهم أيضاً لم يتركوا دليلاً واضحاً وسنداً بيّناً على صدق نبوّة نبيّهم إلّاجحدوه (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بَايَاتِ رَبِّهِمْ).
والثاني : إنّهم من الناحية العملية لم يتّبعوا أنبياء الله (وَعَصَوْا رُسُلَهُ).
والثالث من الذنوب : إنّهم تركوا طاعة الله ومالوا لكل جبار عنيد (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ). فأي ذنب أعظم من هذه الذنوب : ترك الإيمان ، ومخالفة الأنبياء ، والخضوع لطاعة كل جبار عنيد.
و «الجبار» : يطلق على من يُجبر سواه على إتباعه ويريد أن يغطي نقصه بادعاء العظمة والتكبر الظاهري.
و «العنيد» : هو من يخالف الحق والحقيقة أكثر مما ينبغي ، ولا يرضخ للحق أبداً.
هاتان الصفتان تتجليان في الطواغيت والمستكبرين في كل عصر وزمان ، الذين لا يستمعون لكلام الحق أبداً ويعمدون إلى من يخالفهم بانزال أشد انواع العقاب به بلا رحمة.
__________________
(١) وهي في السور التالية : ١ ـ ابراهيم / ٧ ؛ ٢ ـ لقمان / ٣٤ ؛ ٣ ـ فصّلت / ٥٠ ؛ ٤ ـ هود / ٥٨.