إشارة إلى أن لا يتصوروا أنّ هوداً سيتراجع إن لم يستجيبوا لدعوته ، فإنّه أدّى واجبه ووظيفته ، وأداء الواجب انتصار بحد ذاته حتى لو لم تقبل دعوته.
وكما هدّد القوم هوداً ، فإنّه هددهم بأشدّ من تهديدهم ، وقال : إن لم تستجيبوا لدعوتي فإنّ الله سيبيدكم في القريب العاجل (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيًا).
هذه سنّة الله في خلقه وقانونه العام ، إنّه متى كان قوم غير لائقين لاستجابة الدعوة والهداية والنعم الاخرى التي أنعمها عليهم فإنّه سيبعدهم ويستخلف قوماً لائقين بمكانهم (إِنَّ رَبّى عَلَى كُلّ شَىْءٍ حَفِيظٌ). فلا تفوته الفرصة ، ولا يهمل أنبياءه ومحبيه ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة من حساب الآخرين بل هو عالم بكل شيء وقادر على كل شيء.
(وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) (٦٠)
اللعن الأبدي على القوم الظالمين : في آخر الآيات التي تتحدث عن قصة قوم عاد ونبيّهم هود إشارة إلى العقاب الأليم للمعاندين ، فتقول الآيات : (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا). وتؤكّد أيضاً نجاة المؤمنين (وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ).
وفي قوله تعالى : (نَجَّيْنَا) وتكرار هذه الكلمة في الآية مرّتين أقوال مختلفة للمفسرين ، ف «نجّينا» الأولى تعني خلاصهم من عذاب الدنيا و «نجّينا» الثانية تعني نجاتهم في المرحلة المقبلة من عذاب الآخرة ، وينسجم هذا التعبير مع وصف العذاب بالغلظة أيضاً.
ويشير بعض المفسرين إلى مسألة لطيفة هنا ، وهي أنّ الكلام لمّا كان على رحمة الله فمن غير المناسب أن تتكرر كلمة العذاب مباشرة ، فأين الرحمة من العذاب؟ لذلك تكررت كلمة «نجّينا» لتفصل بين الرحمة والعذاب دون أن ينقص شيء من التأكيد على العذاب.
كما ينبغي الإلتفات إلى هذه المسألة الدقيقة أيضاً ، وهي أنّ آيات القرآن وصفت العذاب