قوّة المنطق : والآن لننظر ماذا كان ردّ فعل القوم المعاندين والمغرورين ـ قوم عاد ـ مقابل نصائح أخيهم هود وتوجيهاته إليهم : (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ). أي لم تأتنا بدليل مقنع لنا (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِىءَالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ) الذي تدعونا به إلى عبادة الله وترك الأوثان (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).
وأضافوا إلى هذه الجمل الثلاث غير المنطقية ، أنّك يا هود مجنون و (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَيكَ بَعْضُءَالِهَتِنَا بِسُوءٍ). ولا شك أنّ هوداً ـ كأي نبي من الأنبياء ـ أدّى دوره ووظيفته وأظهر المعجز أو المعجزات لقومه للتدليل على حقانيته ، ولكنهم لغرورهم ـ مثل سائر الأقوام ـ أنكروا معاجزه وعدّوها سحراً.
إنّ على هود أن يردّ على هؤلاء الضالين اللجوجين رداً مقروناً بالمنطق ، من منطلق القوة أيضاً ... يقول القرآن في جواب هود لهم : (قَالَ إِنّى أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنّى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ).
يشير بذلك إلى أنّ الأصنام إذا كانت لها القدرة فاطلبوا منها هلاكي وموتي لمحاربتي لها علناً فعلام تسكت هذه الأصنام؟ وماذا تنتظر بي؟
ثم يضيف أنّه ليست الأصنام وحدها لا تقدر على شيء ، فأنتم مع هذا العدد الهائل لا تقدرون على شيء ، فإذا كنتم قادرين (مِن دُونِهِ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لَاتُنظِرُونَ).
فأنا لا تردعني كثرتكم ولا أعدها شيئاً ، ولا أكترث بقوتكم وقدرتكم أبداً ، وأنتم المتعطشون لدمي ولديكم مختلف القدرات ، إلّاأنني واثق بقدرة فوق كل القدرات ، (إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبّى وَرَبّكُم).
فلو فكرتم جيداً لكان هذا وحده معجزاً حيث ينهض إنسان مفرد وحيد بوجه الخرافات والعقائد الفاسدة في مجتمع قوي ومتعصب ، لكنّه في الوقت ذاته لا يشعر في نفسه بالخوف منهم ، ولا يستطيع الأعداء أن يقفوا بوجهه! ثمّ يضيف : لستم وحدكم في قبضة الله ، فإنّه (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) ، فما لم يأذن به الله ، لا يستطيع أحد أن يفعل شيئاً.
ولكن إعلموا أيضاً أنّ ربّي القدير ليس كالأشخاص المقتدرين الذين يستخدمون قدرتهم للهوي واللعب والأنانية وفي غير طريق الحق ، بل هو الله الذي لا يفعل إلّاالحكمة والعدل (إِنَّ رَبّى عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
ثم إنّ هوداً قال لقومه في آخر كلامه معهم كما تحكيه الآية : (فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ).