الروح وأنا مدين له بكل شيء ، فهو الخالق والرازق (إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى).
وأساساً فإنّي في كل خطوة أخطوها لسعادتكم ، إنّما أفعل ذلك طاعةً لأمره ، ولذلك ينبغي طلب الأجر منه وحده لا منكم ، وإضافة إلى ذلك فهل لديكم شيء من عندكم ، فكل ما هو لديكم منه سبحانه : (أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
ثم شرع هود ببيان الأجر المادي للإيمان لغرض التشويق والاستفادة من جميع الوسائل الممكنة لإيقاظ روح الحق في قومه الظالين ، فبيّن أن هذا الأجر المادي مشروط بالايمان فيقول : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ). فإذا فعلتم ذلك فإنّه (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مّدْرَارًا) (١). لئلا تصاب مزارعكم بقلة الماء أو القحط ، بل تظل خضراء مثمرة دائماً ، وزيادة على ذلك فإنّ الله بسبب تقواكم وابتعادكم عن الذنوب والتوجه إليه يرعاكم (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ).
فلا تتصوروا أنّ الإيمان والتقوى يضعفان من قوتكم أبداً ، فعلى هذا إيّاكم والإبتعاد عن طريق الحق (وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).
التوحيد أساس دعوة الأنبياء : يبين تاريخ الأنبياء أنّهم بدأوا دعوتهم جميعاً من التوحيد ونفي الشرك ونفي عبادة الأصنام أيّاً كانت ، والواقع فإنّ أيّ إصلاح في المجتمعات الإنسانية لا يتيسر بغير هذه الدعوة ، لأنّ وحدة المجتمع والتعاون والإيثار كلها امور تسترفد من منبع واحد وهو توحيد المعبود.
وأمّا الشرك فهو أساس كل فرقة وتعارض وتضاد وأنانية ... وما إلى ذلك ... وإرتباط هذه المفاهيم بالشرك وعبادة الأصنام بالمفهوم الواسع غير خاف على أحد!
(قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (٥٧)
__________________
(١) «المدرار» : مشتق من «درّ» وهو انصباب حليب الأثداء ، ثمّ استعمل في انصباب المطر.