٥ ـ (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىّ) واستقرت السفينة على طرف جبل الجودي.
٦ ـ (وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) عندئذ لُعن المجرمون بالدعاء عليهم أن يبتعدوا من رحمة الله.
طائفة من علماء العرب : إنّ هذه الآية تعدّ أفصح آيات القرآن وأبلغها وإن كانت آياته جميعاً في غاية البلاغة والفصاحة.
الشاهد على هذا الكلام هو أنّنا نقرأ في تفسير مجمع البيان أنّ كفار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن ، فعكفوا على لباب البر ، ولحوم الضأن ، وسلاف الخمر أربعين يوماً لتصفو أذهانهم. فلمّا أخذوا فيما أرادوا سمعوا هذه الآية ، فقال بعضهم لبعض : هذا كلام لا يشبهه شيء من الكلام ، ولا يشبه كلام المخلوقين. وتركو ما أخذوا فيه ، وافترقوا.
(وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِنْ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (٤٧)
حادثة ابن نوح المؤلمة : قرأنا في الآيات المتقدمة أنّ ابن نوح لم يسمع نصيحة والده وموعظته ، ولم يترك لجاجته وحماقته حتى النفس الأخير ، فكانت نهايته الغرق في أمواج الطوفان. وهذه الآيات ـ محل البحث ـ تتحدث عن قسم آخر من هذه القصة ، وهو أنّه حين رأى نوح إبنه تتقاذفه الأمواج ثارت فيه عاطفة الأبوّة وتذكّر وعد الله في نجاة أهله فالتفت إلى ساحة الله منادياً (فَقَالَ رَبّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ).
وهذا الوعد هو ما أشارت إليه الآية (٤٠) من هذه السورة ، ولكنه سمع الجواب مباشرة ... جواب يهزّ هزّاً كما أنّه يكشف عن حقيقة كبيرة ... حقيقة أنّ الرّباط الديني أسمى من رباط النسب والقرابة (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صلِحٍ).
فهو فرد غير لائق ، حيث لا أثر لرباط القرابة بعد أن قطع رباط الدين. (فَلَا تَسَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
فأحسّ نوح أنّ طلبه هذا من ساحة رحمة الله لم يكن صحيحاً ، ولا ينبغي أن يتصور نجاة