وفي هذه الحالة التي كان ينادي نوح إبنه ولا يستجيب الابن له ارتفعت موجة عظيمة والتهمت كنعان بن نوح وفصل الموج بين نوح وولده (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).
بحوث
١ ـ دروس تربوية من طوفان نوح : إنّ هدف القرآن الأصلي من ذكر قصص الماضين بيان دروس وعبر ومسائل تربوية ، وفي هذا القسم من قصة نوح مسائل مهمة جدّاً نشير إلى قسم منها :
تطهير وجه الأرض : صحيح أنّ الله رحيم ودود ، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّه حكيم أيضاً ، فبمقتضى حكمته أنّه عندما لا تؤثر دعوة الناصحين والمربّين الإلهيين في قوم فاسدين ، فلا حق لهم بعد ذلك في الحياة وسينتهون نتيجة للثورات الاجتماعية أو الطبيعية وتحت وطأة التنظيم الحياتي.
وهذا الأمر غير منحصر في قوم نوح ولا بزمان معين ، إنّما هو سنة الله في خلقه وعباده في جميع العصور والأزمان حتى في عصرنا الحاضر ، وأي إشكال في أن تكون كل من الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية صورة من صور «تطهير الأرض».
٢ ـ لِمَ كان العقاب أو الطوفان؟ صحيح أنّ قوماً أو امة كانوا فاسدين وينبغي زوالهم ومهما تكن وسائل إزالتهم فالنتيجة واحدة ، ولكن بالتدقيق في الآيات المتقدمة نستفيد أنّ هناك تناسباً بين الذنوب وعقاب الله دائماً وأبداً «فتدبر جيداً».
كان فرعون يرى قدرته وعظمته تتجلى في «نهر النيل» ومياهه كثير البركات ، لكن الطريف أنّ هلاك فرعون ونهايته كان في النيل.
وكان قوم نوح أهل زراعة و «أنعام» وكانوا يجدون كل خيراتهم في «حبات المطر» لكن نهايتهم كانت بالمطر أيضاً ...
ومن هنا يتّضح جلياً أنّ حساب الله في غاية الدقة ، ولو لاحظنا الطغاة العتاة في عصرنا وفي الحرب العالمية الاولى والثانية كيف ابيدوا بأسلحتهم الحديثة والمتطورة لاتضح المعنى أكثر.
فلا ينبغي أن نعجب أنّ هذه الصناعات المتقدمة التي اعتمدوا عليها في استعمار الشعوب واستثمار خيراتهم واستضعافهم ... أدت إلى زوالهم.
٣ ـ المرتكزات الجوفاء : من الطبيعي أنّ كل أحد يعتمد في التغلّب على الصعاب ومواجهة