هذه الآية تشير من جهة إلى امرأة نوح وابنه كنعان وقد قطعا علاقتهما بنوح على أثر انحرافهما وتآمرهما مع المجرمين ، فلم يكن لهما حق في ركوب السفينة ليكونا من الناجين ، لأنّ الشرط الأوّل للركوب كان هو الإيمان.
وتشير الآية من جهة اخرى إلى أنّ ثمرة جهاد نوح عليهالسلام بعد هذه السنين الطوال والسعي الحثيث المتواصل في التبليغ لدعوته ، لم يكن سوى هذا النفر المؤمن القليل.
جمع نوح عليهالسلام ذويه وأصحابه المؤمنين بسرعة ، وحين أزف الوعد واقترب الطوفان وأوشك أن يحل عذاب الله أمرهم أن يركبوا في السفينة (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَيهَا وَمُرْسهَا).
لماذا؟ لكي يعلمهم أنّه ينبغي أن تكونوا في جميع الحالات في ذكر الله تعالى وتستمدوا العون من اسمه وذكره (إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).
فبمقتضى رحمته جعل هذه السفينة تحت تصرفكم واختياركم لتنجيكم من الغرق وبمقتضى عفوه وغفرانه يتجاوز عن أخطائكم.
وأخيراً حانت اللحظة الحاسمة ، إذ صدر الأمر الإلهي فتلبّدت السماء بالغيوم كأنّها قطع الليل المظلم ، وتراكم بعضها على بعض بشكل لم يسبق له مثيل ، وتتابعت أصوات الرعد وومضات البرق في السماء كلها تخبر عن حادثة «مهولة ومرعبة جدّاً».
شرع المطر وتوالى مسرعاً منهمراً أكثر فأكثر.
وهكذا إتصلت مياه الأرض بمياه السماء ، فلم يبق جبل ولا وادٍ ولا تلعة ولا نجد إلّا استوعبه الماء وصار بحراً محيطاً خضمّاً ... أمّا الأمواج فكانت على أثر الرياح الشديدة تتلاطم وتغدو كالجبال. وسفينة نوح ومن معه تمضي في هذا البحر (وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يَا بُنَىَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ). فإنّ مصيرك إلى الفناء إذا لم تركب معنا.
ولكن ـ للأسف ـ كان أثر المحيط السيء عليه أكبر من تأثير قلب أبيه المتحرق عليه.
لذلك فإنّ هذا الولد اللجوج الأحمق ، وظنّاً منه أن ينجو من غضب الله أجاب والده نوحاً و (قَالَ سَاوِى إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَاءِ). ولكن نوحاً لم ييأس مرّة اخرى فنصحه أن يترك غروره ويركب معه و (قَالَ لَاعَاصِمُ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ). ولا ينجو من هذا الغرق إلّا من شمله لطف الله (إِلَّا مَن رَّحِمَ).