وفي آخر الآية ـ محل البحث ـ ورد كلام بمثابة الجملة المعترضة ليؤكّد المواضيع التي بحثت قصة نوح في الآيات السابقة واللاحقة ، فتبيّن الآية أنّ الأعداء يقولون : إنّ هذا الموضوع صاغه محمّد» من قبل نفسه ونسبه إلى الله (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَيهُ).
ففي جواب ذلك قل يا رسول الله : إن كان ذلك من عندي ونسبته إلى الله فذنبه عليّ (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَىَّ إِجْرَامِى) ولكني بريء من ذنوبكم (وَأَنَا بَرِىءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ).
«الإجرام» : مأخوذ من مادة «جرم» على وزن «جهل» وكما أشرنا إلى ذلك ـ سابقاً ـ فإنّ معناه قطف الثمرة غير الناضجة ، ثم اطلقت على كل ما يحدث من عمل سيء ، وتطلق على من يحث الآخر على الذنب أنّه أجرم ، وحيث إنّ الإنسان له إرتباط في ذاته وفطرته مع العفاف والنقاء ، فإنّ الإقدام على الذنوب يفصل هذا الإرتباط الإلهي منه.
(وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (٣٩)
إنّ قصة نوح عليهالسلام الواردة في آيات هذه السورة ، بُيّنت بعدّة عبارات وجمل ، كل جملة مرتبطة بالاخرى ، وكل منها يمثل سلسلة من مواجهة نوح عليهالسلام في قبال المستكبرين ، ففي الآيات السابقة بيان لمرحلة دعوة نوح عليهالسلام المستمرة والتي كانت في غاية الجدية ، وبالاستعانة بجميع الوسائل المتاحة ، وفي الآيات محل البحث إشارة إلى المرحلة الثالثه من هذه المواجهة ، وهي مرحلة انتهاء دورة التبليغ والتهيؤ للتصفية الإلهية. ففي الآية الاولى نقرأ ما معناه : يا نوح ، إنّك لن تجد من يستجيب لدعوتك ويؤمن بالله غير هؤلاء : (وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْءَامَنَ).
وهي إشارة إلى أنّ الصفوف قد أمتازت بشكل تام ، والدعوة للإيمان والإصلاح غير مجدية ، فلابدّ إذاً من الإستعداد للتصفية والتحول النهائي.
وفي نهاية الآية تسلية لقلب نوح عليهالسلام أن لا تحزن على قومك حين تجدهم يصنعون مثل