وعلى فرض صحة مدّعاكم أراذل و «أوباش» ف (اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ).
أنا الذي لا أرى منهم شيئاً سوى الصدق والإيمان يجب عليّ قبولهم ، لأنّي مأمور بالظاهر ، والعارف بأسرار العباد هو الله سبحانه ، فإن عملت غير عملي هذا كنت آثماً (إِنّى إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ).
(قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٣٥)
كفانا الكلام فأين ما تعدنا به؟ الآية الاولى من الآيات اعلاه تتحدث عن قوم نوح عليهالسلام أنّهم : (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا). فأين ما تعدنا به من عذاب الله (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
فاختيار هذه الطريقة إزاء كل ذلك اللطف وتلك المحبة من قبل أنبياء الله ونصائحهم التي تجري كالماء الزلال على القلوب ، إنّما تحكي عن مدى اللجاجة والتعصب الأعمى لدى تلك الأقوام.
لقد أجاب نوح عليهالسلام على هذه اللجاجة والحماقة وعدم الإعتناء بقوله : (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللهُ إِن شَاءَ). فذلك خارج من يدي على كل حال وليس باختياري ، إنّما أنا رسوله ومطيع لأمره ، فلا تطلبوا منّي العذاب والعقاب! ولكن حين يحل عذابه فاعلموا أنّكم لا تقدرون أن تفرّوا من يد قدرته أو تلجأوا إلى مأمن آخر (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ).
ثم يضيف : وإذا كان الله يريد أن يضلّكم ويغويكم ـ لما أنتم عليه من الذنوب والتلوّث الفكري والجسدي ـ فلا فائدة من نصحي لكم إذاً (وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ) فهو وليكم وأنتم في قبضته (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
سؤال : هل يمكن أن يريد الله الغواية والضلال لعباده؟
الجواب : قد تصدر من الإنسان ـ أحياناً ـ سلسلة من الأعمال التي تكون نتيجتها الغواية والانحراف الدائمي وعدم العودة إلى الحق.