هذه الأعمال (فَلَا تَبْتِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ). ونستفيد من هذه الآية ـ ضمناً ـ أنّ الله يطلع نبيّه نوحاً على قسم من أسرار الغيب بمقدار ما ينبغي.
وعلى كل حال لابدّ من إنزال العقاب بهؤلاء العصاة اللجوجين ليطهر العالم من التلوّث بوجودهم ، وليكون المؤمنون في منأى عن مخالبهم.
وجاء الأمر لنوح أن (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا).
وفي نهاية الآية ينذر الله نوحاً أن لا يشفع في قومه الظالمين ، لأنّهم محكوم عليهم بالعذاب وإن الغرق قد كتب عليهم حتماً (وَلَا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ).
هذه الجملة تبيّن بوضوح أنّ الشفاعة لا تتيسر لكلّ شخص ، بل للشفاعة شروطها فإذا لم تتوفر في أحد الأشخاص فلا يحق للنبي أن يشفع له ويطلب من الله العفو لأجله.
أمّا عن قوم نوح فكان عليهم أن يفكروا بجد ـ ولو لحظة واحدة ـ في دعوة النبي نوح عليهالسلام ويحتملوا على الأقل أنّ هذا الإصرار وهذه الدعوات المكررة كلها من «وحي الله» فتكون مسألة العذاب والطوفان حتمية! إلّاأنّهم واصلوا استهزاءهم وسخريتهم مرّة اخرى وهي عادة الأفراد المستكبرين والمغرورين (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مّن قَوْمِهِ سَخَرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
ولكن نوحاً كان يواصل عمله بجدية فائقة وأناة واستقامة منقطعة النظير لأنّها وليدة الإيمان ، وكان لا يكترث بكلمات هؤلاء الذين رضوا عن أنفسهم وعميت قلوبهم ، وإنّما يواصل عمله ليكمله بسرعة. ويوماً بعد يوم كان هيكل السفينة يتكامل ويتهيأ لذلك اليوم العظيم ، وكان نوح عليهالسلام أحياناً يرفع رأسه ويقول لقومه الذين يسخرون منه هذه الجملة القصيرة (قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
ذلك اليوم الذي يطغى فيه الطوفان فلا تعرفون ماتصنعون ، ولا ملجأ لكم ، وتصرخون معولين بين الأمواج تطلبون النجاة .. ذلك اليوم يسخر منكم المؤمنين ومن غفلتكم وجهلكم وعدم معرفتكم ويضحكون عليكم.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ).
سفينة نوح : لا شكّ أنّ سفينة نوح لم تكن سفينة عاديّة ولم تنته بسهولة مع وسائل ذلك الزمان وآلاته ، إذ كانت سفينة كبيرة تحمل بالإضافة إلى المؤمنين الصادقين زوجين اثنين من كل نوع من الحيوانات ، وتحمل متاعاً وطعاماً كثيراً يكفي للمدة التي يعيشها المؤمنون