فهم بإهمالهم هاتين الوسيلتين المؤثرتين وسيلتي السمع والبصر لدرك الحقائق ، ضلّوا السبيل وأضلّوا سواهم أيضاً ...
وبديهي أنّ عدم استطاعة دركهم الحقائق كانت نتيجة لجاجتهم الشديدة وعدائهم للحق والحقيقة ، وهذا لا يسلب عنهم المسؤولية.
والآية التي بعدها تبيّن في جملة واحدة حصيلة سعيهم وجدهم في طريق الباطل ، فتقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ). وهذه أعظم خسارة يمكن أن تصيب الإنسان ، إذ يخسر وجوده الإنساني ...
ثم تضيف الآية : أنّهم اتخذوا آلهة ومعبودين مصطنعين «مزيفين» ولكن تلاشت هذه الآلهة المصنوعة والمزيفة أخيراً ... (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
وفي نهاية الآية بيان الحكم النهائي لمآلهم وعاقبتهم بهذا التعبير : (لَاجَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الْأَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ).
والسبب واضح ؛ لأنّهم حُرموا من نعمة السمع الحاد والبصر النافذ ، وخَسِروا كل إنسانيتهم ووجودهم ، ومع هذه الحال فقد حملوا أثقالَ مسؤوليتهم وأثقال الآخرين مع أثقالهم.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)(٢٤)
تعقيباً على الآيات المتقدمة التي أوضحت حال منكري الوحي ، تأتي الآيتان هنا لتوضحا من في قبالهم ، وهم المؤمنون حقّاً. فالآية الاولى تقول : (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهِمْ). أي : استسلموا وانقادوا خاضعين لأمر الله ووعده الحق ، (أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
وفي الآية الاخرى بيان لحالة هذين الفريقين في مثال حيّ وواضح ... حال الأعمى والأصم ، وحال السميع والبصير ، فتقول الآية : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً). ثمّ تعقّب الآية : (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).
حال منكري الوحي ، فبسبب لجاجتهم وعدائهم للحق ووقوعهم أسرى بمخالب