ثم يشير بعد هذا الكلام إلى طلاب الحقّ والباحثين عن الحقيقة ، يدعوهم إلى الإيمان دعوة ضمنية فيقول : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ). أي النبي الذي لديه هذه الدلائل الواضحة.
ثم يعقب بعد ذلك ببيان عاقبة المنكرين ومصيرهم بقوله تعالى : (وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ).
وفي ختام الآية ـ كما هي الحال في كثير من آيات القرآن ـ يوجه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله ويبيّن درساً عاماً لجميع الناس ، ويقول : بعد هذا كله من وجود الشاهد والبيّنة والمصدق بدعوتك ، فلا تتردد في الطريق ذاته (فَلَا تَكُ فِى مِرْيَةٍ مِّنْهُ). لأنّه من قبل الله سبحانه (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّكَ). ولكن كثيراً من الناس ونتيجةً لجهلهم وأنانيتهم لا يؤمنون (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايُؤْمِنُونَ).
وعلى هذا فالآية تشير إلى امتيازات الإسلام والمسلمين الصادقين واستنادهم إلى الدلائل المحكمة في اختيار مذهبهم هذا ... وفي قبال ذلك تذكر ما يصير إليه المنكرون والمستكبرون من مآل مشؤوم أيضاً ...
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢)
أخسر الناس أعمالاً : بعد الآية المتقدمة التي كانت تتحدث عن القرآن ورسالة النبي محمّد صلىاللهعليهوآله تأتي آيات اخر تشرح عاقبة المنكرين وعلاماتهم ومآل أعمالهم. ففي أوّل آية من هذه الآيات يقول سبحانه : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا). ويعني أنّ تكذيب دعوة النبي الصادق في الواقع هو تكذيب لكلام الله وافتراء عليه بالكذب.