إنّ الآيات ـ المذكورة ـ تؤكّد إعجاز القرآن مرّة اخرى وتقول : ليس هذا كلاماً عادياً ، بل هو وحي السماء الذي ينزل بعلم الله اللامحدود وقدرته الواسعة ، وعلى هذا فإنّه يتحدى جميع البشر أن يواجهوه بمثله.
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦)
الآيات أعلاه أكملت الحجة مع «دلائل إعجاز القرآن» على المشركين والمنكرين ، ولكن جماعة منهم امتنعوا عن القبول ـ لحفظ منافعهم الشخصية ـ بالرغم من وضوح الحق ، فالآيات هذه تشير إلى مصير هؤلاء فتقول : (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) من رزق مادي وشهرة وتلذذ بالنعم (نُوَفّ إِلَيْهِمْ) نتيجة (أَعْمَالَهُمْ فِيهَا) في هذه الدنيا (وَهُمْ فِيهَا لَايُبْخَسُونَ). أي لا ينقص من حقهم شيء في الدنيا.
«البخس» : في اللغة نقصان الحق ، وجملة (وَهُمْ فِيهَا لَايُبْخَسُونَ) إشارة إلى أنّهم سينالون نتيجة أعمالهم بدون أقل نقصان من حقوقهم.
هذه الآية سنة إلهية دائمة ، وهي أنّ الأعمال «الإيجابية» والمؤثرة لاتضيع نتائجها ، مع فارق وهو أنّه إذا كان الهدف الأصلي منها هو الوصول إلى الحياة المادية في هذه الدنيا فإنّ ثمراتها في الدنيا فحسب ، وأمّا إذا كان الهدف هو «الله» وكسب رضاه فإنّ تأثيرها ونتائجها ستكون في الدنيا وفي الآخرة أيضاً حيث تكون النتائج كثيرة الثمار.
وهذا من قبيل مانراه بوضوح على أرض الواقع المعاش ، فالعالم الغربي فتح أسراراً كثيرة من العلم بسعيه المتواصل والمنسّق ، وأصبح متسلطاً على قوى الطبيعة وحصل على مواهب كثيرة لتصديه الدائب لمشاكل الحياة الدنيوية بصبر واستقامة وجد ، فلا كلام في نيل العالم الغربي جزاء أعماله وتحقيقه انتصارات مشرقة ، ولكن لأنّ هدفه الحياة المادية فحسب ، فإنّ أعماله لا تثمر غير توفر الإمكانات المادية.
فلذلك يقول سبحانه عنهم في الآية التالية : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الْأَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) ليزول كل أثر اخروي لما عملوا في هذه الدنيا ولا ينالون عليه أي ثواب (وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا) وكل ما كان لغير الله فسيزول أثره (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).