التّفسير
القرآن المعجزة الخالدة : يبدو من هذه الآيات أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يوكل إبلاغ الآيات ـ نظراً للجاجة الأعداء ومخالفتهم ـ لآخر فرصة ، لذا فإنّ الله سبحانه ينهى نبيّه في أوّل آية نبحثها عن ذلك بقوله : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ). لئلا يطلبوا منك معاجز مقترحة كنزول كنز من السماء ، أو مجيء الملائكة لتصديقه (أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ).
إنّ هؤلاء لا يطلبون هذه المعاجز ليصدقوا دعوى النبي ويتبعوا الحق ، بل هدفهم اللجاجة والعناد والتحجج الواهي ، فلذلك تأتي الآية معقبة : (إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ). سواءً قبلوا دعواك أم لم يقبلوا ، وسخروا منك أم لم يسخروا ، فالله هو الحافظ والناظر على كل شيء (وَاللهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ وَكِيلٌ). أي لا تكترث بكفرهم وإيمانهم فإنّ ذلك لا يعنيك ، وإنّما وظيفتك أن تبلغهم ، والله سبحانه هو الذي يعرف كيف يحاسبهم ، وكيف يعاملهم.
وبما أنّ الذين يتذرعون بالحجج ويشكلون على النبي كانوا أساساً منكرين لوحي الله ، ويقولون : إنّ هذه الآية ليست نازلة من قبل الله ، وإنّ هذا الكلام افتراه محمّد ـ وحاشاه من ذلك ـ على الله كذباً ، لذلك تأتي الآية التالية لتبيّن بصراحة تامة : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَيهُ).
فقل لهم يا رسول الله ـ إن كانوا صادقين في دعواهم أنّ ما تقوله ليس من الله وأنّه من صنع الإنسان ـ فليأتوا بعشر سور مثل هذا الكلام مفتريات ، وليدعوا ـ سوى الله ـ ما شاؤوا (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
أمّا إذا لم يستجيبوا لدعوتك ولا للمسلمين ، ولم يلبوا طلبك على الإتيان بعشر سور مفتريات كسور القرآن ، فاعلموا أنّ ذلك الضعف وعدم القدرة دليل على أنّ هذه الآيات نزلت من خزانة علم الله ، ولو كانت من صنع بشر ، فهم بشر أيضاً ... فلماذا لا يقدرون على ذلك : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللهِ). واعلموا أيضاً أنّه لا معبود سوى الله ، ونزول هذه الآيات دليل على هذه الحقيقة (وَأَن لَّاإِلهَ إِلَّا هُوَ). فهل يسلم المخالفون مع هذه الحالة (فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ). أي بعد ما دعوناكم للإتيان بمثل هذه السور ، وظهر عجزكم وعدم قدرتكم على ذلك ، فهل يبقى شك في أنّ هذه الآيات منزلة من قبل الله ، ومع هذه المعجزة البينة ما زلتم منكرين ، أم أنّكم تسلمون وتقرّون حقاً؟