استيعاب المؤمنين وعدم استيعاب غيرهم : في هذه الآيات ـ وبمناسبة البحث السابق عن غير المؤمنين ـ بيان لزوايا الحالات النفسية ونقاط الضعف في أخلاق هؤلاء الأفراد والتي تجر الإنسان إلى هاوية الظلام والفساد.
وأوّل صفة تذكر لهؤلاء هي السخرية من الحقائق وعدم الإكتراث بها وبالمسائل المصيرية ، فهؤلاء بسبب جهلهم وعدم معرفتهم وغرورهم حين يسمعون تهديد الانبياء في مؤاخذة المسيئين ومعاقبتهم ، ثم تمرّ عليهم عدة أيام يؤخر الله تعالى بلطفه فيها العذاب عنهم ، نراهم يقولون باستهزاء مبطّن : ما السبب في تأخر العذاب الإلهي ، وأين عقاب الله : (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ).
فهذه عادة الجاهلين والمغترين ، فكلما وجدوا شيئاً لا ينسجم مع ميولهم وطباعهم عدّوه سخرية.
لكن القرآن يحذرهم وينذرهم بصراحة في ردّه على كلامهم ، ويبيّن لهم أن لا دافع لعذاب الله إذا جاءهم (أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) وأنّ الذين يسخرون منه واقع بهم ومدمّرهم (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
ومن نقاط الضعف عند هؤلاء قلة الصبر بوجه المشاكل والصعاب وانحسار البركات الإلهية. حيث نجد في الآية التالية قوله تعالى عنهم : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيُوسٌ كَفُورٌ).
والمراد من «الإنسان» في مثل هذه الآيات هو الأفراد الذين لم يتلقوا تربية سليمة والمنحرفون عن جادة الحق.
ونقطة الضعف الثالثه عند هؤلاء أنّهم حين يتنعمون بنعمة ويشعرون بالترف والرفاه يبلغ بهم الفرح والتكبر والغرور درجة ينسون معها كل شيء ، ولذلك يشير القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة بقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيَاتِ عَنّى إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ).
ثمّ يستثني الله سبحانه المؤمنين الذين يواجهون الشدائد والمصاعب بصبر ، ولا يتركون الأعمال الصالحة على كل حال ، فهؤلاء بعيدون عن الغرور والتكبر وضيق الأفق ، حيث يقول سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
هؤلاء لا يَغترّون عند وفور النعمة فينسون الله ، ولا ييأسون عند الشدائد والمصائب