إنّه في بداية الخلق كان الكون بصورة مواد ذائبة «مع غازات مضغوطة للغاية ، بحيث كانت على صورة مواد ذائبة أو مائعة».
وبعدئذ حدثت اهتزازات شديدة وانفجارات عظيمة في هذه المواد المتراكمة الذائبة ، وأخذت تتقاذف أجزاء من سطحها إلى الخارج ، وأخذ هذا الوجود المترابط بالإنفصال ، ثم تشكلت بعد ذلك الكواكب السيارة والمنظومات الشمسية والأجرام السماوية.
فعلى هذا نقول : إنّ عالم الوجود ومرتكزات قدرة الله كانت مستقرة بادىء الأمر على المواد المتراكمة الذائبة.
والمطلب الثاني : الذي تشير إليه الآية آنفة الذكر هو الهدف من خلق الكون ، والقسم الأساس من ذلك الهدف يعود للإنسان نفسه الذي يمثل ذروة الخلائق ... هذا الإنسان الذي كتب عليه أن يسير في طريق التعليم والتربية ويشقّ طريق التكامل نحو الله تعالى. يقول الله سبحانه : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). أي ليختبركم ويمتحنكم أيّكم الأفضل والأحسن عملاً بهذه الدار الدنيا.
«ليبلوكم» : كلمة مشتقة من مادة «البلاء» و «الإبتلاء» ومعناها الاختبار والامتحان.
والمطلب الثالث : الذي تشير إليه الآية آنفة الذكر ـ هو مسألة المعاد الذي لا ينفصل ولا يتجزأ عن مسألة خلق العالم ، وفيها بيان الهدف من الخلق وهو تكامل الإنسان وتكامل الإنسان يعني التهيؤ إلى الحياة في عالم أوسع وأكمل ، ولذلك يقول سبحانه : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ).
وكلمة «هذا» التي وردت ـ في الآية آنفة الذكر ـ على لسان الكفار ، إشارة إلى كلام النبي صلىاللهعليهوآله في شأن المعاد ... أي إنّ ما تدّعيه أيها النبي في شأن المعاد سحر مكشوف وواضح ، فعلى هذا تكون كلمة السحر هنا بمعنى الكلام العاري عن الحقيقة ، والقول الذي لا أساس له.
(وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١١)