ثم تقول في النهاية : إنّ هذا ليس مختصاً بالامم السالفة والرسل والمؤمنين الماضين ، بل (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ).
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٠٧)
الحزم في التعامل مع المشركين : هذه الآيات والآيات التي تليها ، هي آخر آيات هذه السورة ، وتتحدث جميعاً حول مسألة التوحيد ومحاربة الشرك والدعوة إلى الحق ، وهي فهرست أو خلاصة لبحوث التوحيد وتأكيد على محاربة ومجابهة عبادة الأصنام التي بيّنت مراراً في هذه السورة.
إنّ سياق الآية يوحي بأنّ المشركين كانوا يتوهمون أحياناً أن من الممكن أن يلين النبي ويتسامح في عقيدته في شأن الأصنام ويعترف ويقرّ لهم عبادة الأصنام ولو جزئياً إلى جانب الإعتقاد بالله بنحو من الانحاء. إلّاأنّ القرآن ينسف هذا التوهم الواهي بصورة قاطعة وحاسمة ويقطع عليهم احلامهم هذه إلى الأبد ، فلا معنى لأي نوع من المساومة واللين في مقابل الأصنام ، ولا معبود إلّاالله ، لاتزيد كلمة ولا تنقص اخرى. ففي البداية يأمر النبي صلىاللهعليهوآله أن يخاطب جميع الناس : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مِّن دِينِى فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ) ولا تكتفي الآية بنفي آلهة اولئك ، بل تثبت كل العبادة لله سبحانه زيادة في التأكيد فتقول : (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِى يَتَوَفكُمْ). ومن أجل تأكيد أكبر تضيف : أنّ هذه ليست إرادتي فقط ، بل (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وبعد أن بيّنت الآية العقيدة الحقة في نفي الشرك وعبادة الأوثان بكل صراحة وقوة ، تطرقت إلى بيان دليل ذلك ، دليل من الفطرة ، ودليل من العقل :
(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفًا) وهنا أيضاً لم يكتف بجانب الإثبات ، بل نفي الطرف