المقابل لتأكيد الأمر ، فقالت الآية : (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
«الحنيف» : تعني الشخص الذي يميل ويتحول عن طريق الانحراف إلى جادة الصواب والاستقامة.
وبعد الإشارة إلى بطلان الشريك بالدليل الفطري ، تشير إلى دليل عقلي واضح ، فتقول : (وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَايَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ). إذ تكون قد ظلمت نفسك ومجتمعك الذي تعيش فيه.
وهنا أيضاً لم تكتف الآية بجانب النفي ، بل إنّها تؤكّد إضافةً إلى النفي على جانب الإثبات فتقول : (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) ، وكذلك (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ) لأنّ عفوه ورحمته وسعت كل شيء (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (١٠٩)
الكلمة الأخيرة : هاتين الآيتين تضمّنت إحداهما موعظة ونصيحة لعامة الناس ، واختصت الثانية بالنبي صلىاللهعليهوآله وقد كملتا الأوامر والتعليمات التي بيّنها الله سبحانه على مدى هذه السورة ومواضعها المختلفة. وبذلك تنتهي سورة يونس. فتقول أوّلاً ، وكقانون عام : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ). هذه التعليمات وهذا الكتاب السماوي ، وهذا الدين وهذا النبي كلها حق ، والأدلّة على كونها حقّاً واضحة ، وبملاحظة هذه الحقيقة : (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ). أي إنّي لست مأموراً بإجباركم على قبول الحق ، لأنّ الإجبار على قبول الإيمان لا معنى له ، ولا أستطيع إذا لم تقبلوا الحق ولم تؤمنوا أن أدفع عنكم العذاب الإلهي ، بل إنّ واجبي ومسؤوليتي هي الدعوة والإبلاغ والإرشاد والهداية والقيادة.
ثم تبيّن وظيفة وواجب النبي صلىاللهعليهوآله في جملتين : الاولى (وَاتَّبَعَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ). فإنّ الله قد حدّد مسيرك من خلال الوحي ، ولا يجوز لك أن تنحرف عنه قيد أنملة.
والثانية : إنّه ستعترضك في هذا الطريق مشاكل مضنية ومصاعب جمة ، فلا تدع للخوف