بالإخلاص قد أثر أثره ، وارتفعت علامات العذاب وعادت المياه إلى مجاريها ، ولمّا رجع يونس إلى قومه بعد احداث ووقائع كثيرة وقعت له قبلوه بأرواحهم وقلوبهم.
ثم إنّ القصة أعلاه تبيّن بصورة ضمنية مدى تأثير القائد الواعي الرشيد الحريص في القوم أو الامّة ، في حين أن العابد الذي لا يمتلك الوعي الكافي يعتمد على الخشونة أكثر ، وهكذا يفهم من هذه الرواية منطق الإسلام في المقارنة بين العبادة الجاهلة ، والعلم الممتزج بالاحساس بالمسؤولية.
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) (١٠٠)
لا خير في الإيمان الإجباري : لقد طالعنا في الآيات السابقة أنّ الإيمان الاضطراري لا يجدي نفعاً أبداً ، ولهذا فإنّ الآية الاولى من هذه الآيات تقول : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَأَمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا). وبناء على هذا فلا يعتصر قلبك ألماً لعدم إيمان جماعة من هؤلاء ، فإنّ من مستلزمات أصل حرية الإرادة والاختيار أن يؤمن جماعة ويكفر آخرون ، وإذا كان الأمر كذلك (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
إنّ هذه الآية تنفي بصراحة مرّة اخرى التهمة الباطلة التي قالها ويقولها أعداء الإسلام بصورة مكررة ، حيث يقولون : إنّ الإسلام دين السيف ، وقد فرض بالقوة والإجبار على شعوب العالم ، فتجيب الآية ـ ككثير من آيات القرآن الاخرى ـ بأنّ الإيمان الإجباري لا قيمة له ، والدين والإيمان شيء ينبع عادة من أعماق الروح ، لا من الخارج وبواسطة السيف ، خاصه وأنّها حذرت النبي صلىاللهعليهوآله من إكراه وإجبار الناس على الإيمان والإسلام.
الآية التالية قد ذكرت هذه الحقيقة أيضاً ، وهي أنّ البشر وإن كانوا أحراراً في اختيارهم ، إلّا أنّه (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ولهذا فإنّ هؤلاء قد ساروا في طريق الجهل وعدم التعقل ، ولم يكونوا مستعدين للاستفادة من رأس مال فكرهم وعقلهم ، وسوف لا يوفقون للإيمان وهم على هذا الحال ، إذ (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَايَعْقِلُونَ).