إنّ الآية السابقة تقول بأنّك إن كنت في شك فاسأل اولئك المطلعين العالمين ، وتقول هذه الآية بأنّك يجب أن تسلم مقابل هذه الآيات بعد أن ارتفعت عوامل الشك ، وإلّا فإنّ مخالفة الحق لا عاقبة لها إلّاالخسران.
ثم أنّها تخبر النبي صلىاللهعليهوآله بأنّ من بين مخالفيك جماعة متعصبين عنودين لا فائدة من انتظار إيمانهم ، فإنّهم قد مسخوا من الناحية الفكرية ، وتوغّلوا في طريق الباطل إلى الحدّ الذي فقدوا معه الضمير الإنساني الحي تماماً ، وتحولوا إلى موجودات لايمكن اختراقها ، غاية ما في الأمر أنّ القرآن الكريم يبيّن هذا الموضوع بهذا التعبير : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ).
وحتى إذا جاءتهم كل الآيات والدلالات فإنّهم لا يؤمنون : (وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّءَايَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) ولا أثر لإيمانهم في ذلك الوقت.
(فَلَوْ لَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (٩٨)
الامّة التي آمنت في الوقت المناسب : تحدثت الآيات السابقة عن فرعون خاصة ، والأقوام السابقة بصورة عامّة ، وهي أنّ هؤلاء امتنعوا من الإيمان بالله في وقت الإختيار والسلامة ، إلّاأنّهم لما أشرفوا على الموت والعذاب الإلهي أظهروا الإيمان الذي لم يكن نافعاً لهم آنذاك. وتطرح الآية التي نبحثها هذه المسألة كقانون عام ، فتقول : (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا). ثمّ استثنت قوم يونس فقالت : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّاءَامَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ). أي إلى آخر عمرهم.
قصة إيمان قوم يونس :كانت قصّة هؤلاء على ما جاء في التواريخ ، أنّه عندما يئس يونس من إيمان قومه القاطنين أرض نينوى في العراق ، دعا على قومه باقتراح من عابد كان يعيش بينهم ، في حين أنّ عالماً كان معهم أيضاً اقترح على يونس أن يدعو لهؤلاء لا عليهم ، وأن يستمر في إرشاده أكثر من قبل ولا ييأس.
يونس عليهالسلام اعتزل قومه بعد الدعاء عليهم ، فاغتنم هؤلاء الفرصة وعملوا بنصيحة العالم وخرجوا معه خارج المدينة للتضرع والدعاء ، وأظهروا الإيمان والتوبة.
إنّ هذه التوبة والإيمان والرجوع إلى الله ، الذي تمّ في الوقت المناسب وعن وعي مقترن