ويقول في نهاية الآية : إنّه وبالرغم من كل هذه الآيات والدلالات على قدرة الله ، ومع كل الدروس والعبر التي ملأت تاريخ البشر فإنّ الكثير معرضون عنها (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ).
وتبيّن آخر آية من هذه الآيات النصر النهائي لبني إسرائيل ، والرجوع إلى الأرض المقدسة بعد الخلاص من قبضة الفراعنة ، فتقول : (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ).
إنّ التعبير ب (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) يمكن أن يكون إشارة إلى أرض مصر ، أم أراضى الشام وفلسطين.
ثم يضيف القرآن الكريم : (وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الْطَّيّبَاتِ). إلّاأنّ هؤلاء لم يعرفوا قدر هذه النعمة (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ). وبعد مشاهدة كل تلك المعجزات التي جاء بها موسى ، وأدلة صدق دعوته ، إلّا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). وإذا لم يتذوقوا طعم عقاب الاختلاف اليوم ، فسيذوقونه غداً.
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) (٩٧)
لا تدع للشك طريقاً إلى نفسك : لمّا كانت الآيات السابقة قد ذكرت جوانب من ماضي الأنبياء والامم السابقة ، وكان من الممكن أن يشكك بعض المشركين ومنكري دعوة النبي صلىاللهعليهوآله في صحة ذلك ، فقد طلب القرآن من هؤلاء أن يراجعوا أهل الكتاب للتأكد والعلم بصحة هذه الأقوال ، وليسألوهم عن ذلك ، لأنّ كثيراً من هذه المسائل قد ورد في كتب هؤلاء. إلّاأنّه بدل أن يوجه الخطاب لهؤلاء ، خاطب النبي صلىاللهعليهوآله فقال : (فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَسَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ). ليثبت عن هذا الطريق بأنّه : (لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
ثم تضيف الآية التالية : (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَايَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) من بعد ما اتّضحت لك آيات الله وصدق هذه الدعوة.