أبى ، وليس لكل أحد قابلية السير في سبيل الله وتحمّل الأعباء الكبرى ، بل هو توفيق من قِبَل الله يوليه من يجد فيه طهارة النية والإستعداد والإخلاص.
وفي الآية التالية إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ عدم مساهمة مثل هؤلاء الأفراد في ساحة الجهاد ليس مدعاة للتأثر والأسف فحسب ، بل لعله مدعاة للسرور ، والآية تعطي درساً للمسلمين أن لا يكترثوا بكثرة المقاتلين أو قلّتهم وكميتهم وعددهم ، بل عليهم أن يفكروا في اختيار المخلصين المؤمنين وإن كانوا قلّة ، فهذا درس لمسلمي الماضي والحاضر والمستقبل. وتقول الآية : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم). أي إلى تبوك للقتال (مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً).
فبناءً على ذلك فإنّ حضورهم بتلك الروحية الفاسدة المقرونة بالتردد والنفاق لا أثر له سوى إيجاد الشك والتردد وتثبيط العزائم بين جنود الإسلام.
وتضيف الآية قائلة : (وَلَأَوْضَعُوا خِللَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) (١).
ثم تنذر المسلمين من المتأثرين بهم في صفوف المسلمين : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ).
فبناءً على ذلك فإنّ وظيفة المسلمين الراسخين في الإيمان مراقبت مثل هؤلاء الضعفاء لئلا يقعوا فريسة المنافقين الذئاب. والمراد من السمّاع في الآية هو الجاسوس الذي يتجسّس بين المسلمين ويجمع الأخبار للمنافقين.
وتُختتم الآية بالقول : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
وفي آخر آية من الآيات محل البحث إنذار للنبي صلىاللهعليهوآله بأنّ هؤلاء المنافقين لم يبادروا لأوّل مرّة إلى التخريب والتفرقة وبذر السموم ، بل ينبغي أن تتذكر ـ يا رسول الله ـ أنّ هؤلاء ارتكبوا من قبل مثل هذه الامور وهم يتربصون الفرص الآن لينالوا مُناهم (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ).
وهذه الآية تشير إلى ما جرى في معركة احد حيث رجع عبدالله بن أبي وأصحابه وانسحبوا وهم في منتصف الطريق ، أو أنّها تشير إلى مؤامرات المنافقين عامة التي كانوا يكيدونها للنبي صلىاللهعليهوآله أو للمسلمين ، ولم يغفل التاريخ أن يسجلها على صفحاته.
(وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) وخطّطوا للإيقاع بالمسلمين ، أو لمنعهم من الجهاد بين يديك ، إلّا أنّ كل تلك المؤامرات لم تفلح ، وإنما رَقَموا على الماء ورشقوا سهامهم على الحجر (حَتَّى جَاءَ
__________________
(١) «أوضعوا» : من مادة الإيضاع ومعناه ، الإسراع في الحركة ، ومعناه هنا الإسراع في النفوذ بين صفوف المقاتلين ، و «الفتنة» : هنا بمعنى التفرقة واختلاف الكلمة.