الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ). غير أنّ مشيئة العباد وإرادتهم لا أثر لها إزاء مشيئة الله وإرادته ، فقد شاء الله أن ينصرك وأن يُبلغ رسالتك إلى أصقاع المعمورة ، ويزيل العراقيل والموانع عن منهاجك ، وقد فعل.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(٤٩)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قيل : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لما استنفر الناس إلى تبوك ، قال : «إنفروا لعلكم تغنمون بنات الأصفر». فقام جد بن قيس ، أخو بني سلمة من بني الخزرج ، فقال يا رسول الله! ائذن لي ، ولا تفتنّي ببنات الأصفر ، فإنّي أخاف أن افتتن بهنّ. فقال : «قد أذنت لك». فأنزل الله تعالى (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّى وَلَا تَفْتِنّى) الآية.
فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لبني سلمة : «من سيّدكم»؟ قالوا : جدّ بن قيس غير أنّه بخيل جبان! فقال صلىاللهعليهوآله : «وأيّ داء أدوي من البخل ، بل سيدكم الفتى الأبيض الجعد بشر بن البراء بن المعرور».
التّفسير
المنافقون المتذرّعون : يكشف شأن النزول المذكور أنّ الإنسان متى أراد أن يتنصل من تحمل المسؤولية يسعى للتذرّع بشتى الحيل. فإنّ القرآن يوجه الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله ليردّ على مثل هذه الذرائع المفضوحة قائلاً : (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّى وَلَا تَفْتِنّى) بالنساء والفتيات الروميات الجميلات.
ولكن القرآن يقول مجيباً عليه وأمثاله : (أَلَا فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ). أي إنّ أمثال اولئك الذين تذرّعوا بحجّة الخوف من الذنب ـ هم الآن واقعون فيه فعلاً ، وأن جهنم محيطة بهم ، لأنّهم تركوا ما أمرهم الله ورسوله به وراء ظهورهم وانصرفوا عن الجهاد بذريعة الشبهة الشرعية!